لماذا قصْف المدرسة “الهاشمية” بقندوز؟

شاهد (غزنیوال)

 

على الرغم من أنه قد مضى أسبوعان منذ الهجوم على المدرسة الإسلامية “الهاشمية” في ولاية “قندوز” بمديرية “دشت آرتشي”، لكنه يعد حتى الآن من الموضوعات الساخنة في أخبار الساحة اليومية، ولا زال المحللون السياسيون يحللون أبعادها ويستكشفون جوانبها المستورة.

هذه الغارة الجوية التي أودت بحياة أكثر من 170 من المدنيين، معظمهم من خريجي المدرسة، ورجال الدين، وحفظة كتاب الله، ووفقا للمؤشرات والشواهد الموثقة الطائرات الأمريكية هي من قامت بارتكاب هذه المجزرة، لكن بادرت الحكومة العميلة إلى تبنيها تبرئة للمحتلين الأمريكيين، وتبريرا لهذه الجريمة الفظيعة قامت وزارة الدفاع الأفغانية بمشاركة مقاطع مرئية مع وسائل الإعلام، والتي التقطتها الطائرات الأمريكية المسيرة ومنحتها الجانب الأفغاني.

وإضافة إلى إدانة العلماء والمفكرين والجمعيات الدينية، والمنظمات الحقوقية، والشخصيات العلمية والسياسية وعدد من الدول الإسلامية للغارة على المستوى الإقليمي والدولي، اعتبرها الكثير من المسلمين عدوانا سافراً على المقدسات الإسلامية وجناية ضد الإسلام.

ولكن الحكومة العميلة التي تمت صناعتها بأيدي الغزاة المحتلين، رغم عظم الجناية وبشاعتها، اعتبرت الغارة من مكتسباتها وإنجازاتها! ورئيس السلطة التنفيذية “عبد الله” ومتحدثوا حزبه دافعوا عنها بكل وقاحة! ولكن بعد إعلان الهيئة المخولة من قبل الحكومة بالتحقيق، اتضحت هذه الحقيقة وهي أن الهدف الأساسي لهجوم الأمريكيين هي المدرسة “الهاشمية” ولذلك كان كل الضحايا من المدنيين ومعظمهم كانوا أطفالا صغاراً من حفاظ كتاب الله.

حتى اضطر رئيس الحكومة المشتركة “أشرف غاني” فيما بعد إلى الاعتراف، وذهب إلى المستشفى وزار مصابي الهجوم.

هذا الهجوم الهمجي لم يسبق له مثيل في الوحشية والهمجية خلال الأعوام السبعة عشر الماضية، فكما أنه كان محزنا ومؤسفا لأهالي كندوز وللشعب الأفغاني ولجميع المسلمين، كذلك كشف الستار عن عدد من الحقائق حول الاحتلال والمحتلين والتي كان المحتلون وعملاءهم يحاولون إخفاءها وكتمانها عن الشعب الأفغاني المسلم والعالم أجمع ولا زالوا يحاولون.

ونريد أن نلخص هذه الحقائق في النقاط التالية:

1 – استهدف الهجوم أشهر مدرسة دينية في ولاية قندوز، ولم يكن الخريجون منتمين إلى ولاية قندوز فقط، بل كانوا من المنطقة الشمالية كلها، فأراد المحتلون الأمريكيون بقصفها أن يحرموا المنطقة الشمالية كلها من نشاطاتهم الدينية الآتية.

2 – وتظهر في الإعلانات الدعوية الملصقة التي رتبتها المدرسة بمناسبة الحفلة أنه تم استضافة العلماء والمشائخ والأساتذة والقراء من المنطقة الشمالية كلها، وليس من مقاطعة قندوز فقط، وأراد المحتلون الأمريكيون باستهداف هؤلاء العلماء والقراء أن يحرموا المنطقة كلها، والشعب المجاهد من هؤلاء العلماء ونشاطاتهم، وأن يقتلوهم جميعا ههنا، ولذلك قصفوا الحفلة التي كان الأهالي قد أعلموا بها الجهات الحكومية من قبل، واتخذوا علماء الدين وطلبة العلم الشرعي والقراء الصغار تحت نيران قصفهم المتواصل لنصف ساعة.

3 – أوضحت الغارة على المدرسة “الهاشمية” مباشرة بعد الغارة على مدرسة دينية في مقاطعة “فراه” أن هذه الهجمات على المؤسسات والمدارس الدينية تشن ضمن خطة مدروسة مسبقا، ويتم استهدافها بشكل تعمدي، في محاولة للحيلولة دون نشاطاتها الدعوية والإسلامية وسعيا للقضاء عليها.

وكان الهجوم مخططا مسبقا لأن قائد شرطة قندوز “واحيدي” قال لوسائل الإعلام: أنهم تأهبوا للغارة على المدرسة واستعدوا منذ أيام.

وكذا صرح نائب المتحدث لرئاسة السلطة التنفيذية “جاويد فيصل” في حديثه مع وسائل الإعلام في محاولة لتبرير هذه الغارة: بأننا نستهدف هذه المدارس لأنها مصدر قلق لنا، ويجب القضاء عليها.

4 – منذ بداية إستراتيجية “ترامب” كثفت القوات الأمريكية غاراتها الجوية على المناطقة الريفية، لكنها لم تؤثر عسكريا على صفوف المقاومة الجهادية، لأن طالبان غيرت تكتيكاتها الحربية ونجحت إلى حد كبير في حماية مقاتليها من القصف الأمريكي.

ولكن الأمريكيين المحتلين أدركوا هذه الحقيقة؛ أن الروح القتالية للمقاومة الجهادية ضد الإحتلال تقويها هذه المساجد والمدارس والمؤسسات الدينية، والتي تربي الناس على الدين الإسلامي، وتزودهم بحوافز النضال ودوافع المقاومة ضد الاحتلال الأجنبي، ولذلك يفضّل المحتلون استهداف هذه المدارس قبل استهداف مراكز المقاومة الجهادية.

وإن شهر رجب هو الوقت المناسب لاستهداف المدارس الإسلامية لأن فيه يتم عقد حفلات التكريم والتخريج في جميع مدارس أفغانستان، وهو موسم اجتماع العلماء وطلبة العلم الشرعي.

حيث يجتمع العلماء وطلبة العلم الشرعي في هذه الاحتفالات يلقون المحاضرات ويقدمون نصائحهم للطلبة وعوام المسلمين، ويُتوّج خريجوا العلوم الشرعية وحفظة كتاب الله بوضع العمائم على رؤوسهم.

ومن المعلوم أن استهداف هذه الحفلات المزدحمة وقصفها ينتج عنه إصابات كبيرة، ويسقط العدد الكبير من الضحايا بين قتيل وجريح.

5 – يريد الأمريكيون عن طريق هذه الغارات إلقاء الرعب والخوف في قلوب الشعب الأفغاني، ليبتعدوا عن هذه المدارس وأهلها، وليمنعوا أبناءهم بعد مشاهدة مثل هذه المجازر عنها، وليقطعوا علاقاتهم مع أهلها، ولئلا يجمعوا التبرعات ولئلا يقدموا المساعدات لهذه المدارس.

ولكن عليهم أن يدركوا حقيقة أن الأفغان لن يتخلوا عن هذه المدارس، فهم يتعلمون فيها عقيدتهم ودينهم، وينهلون من معينها ويغترفون من مائها العذب الزلال، وإن هذه المؤسسات الدينية بمثابة الماء والهواء للشعب الأفغاني، ولا قيمة للحياة بدونها.

ويرون الهجوم عليها هجوما مباشراً على الشعائر الإسلامية ويستعدون لتقديم التضحيات الروحية والمالية في سبيل الدفاع عنها.

ولذلك شاهدنا بعد الهجوم على المدرسة “الهاشمية” أنه ازداد تعاطف الأفغان مع المدارس وأهل العلم على مستوى البلد، وقد خرجت مظاهرات منددة لهذه الغارة الوحشية في مختلف أنحاء البلد، حتى الكثير من أعضاء الحكومة الرسميين، ونواب البرلمان والمسؤولين الحكوميين الآخرين نددوا بهذه المجزرة واعتبروها جريمة حرب وهجوما همجيا للصليبين على الشعائر الإسلامية.

6 – لقد أثبت الهجوم على المدرسة “الهاشمية” في ولاية قندوز بأن الأمريكيين جاءوا إلى أفغانستان لتحقيق أهدافهم الإستعمارية والكفرية، وكل من يقف عقبة أمام هذه الأهداف الكفرية سواء كانوا علماء دين أو مدارس دينية أو حملة كتاب الله الصغار سيتم استهدافهم والقضاء عليهم من قبل الأمريكيين.

7 – أثبت الهجوم الأمريكي على المدرسة “الهاشمية” لجميع الشعب الأفغاني المسلم أن المسؤولين الحكوميين تهمهم مصالح أمريكا أكثر من مصالح بلادهم، ولا تتمعر وجوههم ولا تقشعر جلودهم غيرة وحمية لدينهم وعقيدتهم، فهم الذين يدافعون عن الأمريكيين ويبررون لجرائمهم وانتهاكاتهم.

لأن الشعب الأفغاني شاهد مرارا وتكرارا أنه لما تتم مهاجمة نادٍ أو ملهى ليلي أو مكان آخر في بلاد الكفر، يبادر مسؤولا الحكومة المشتركة كلاهما إلى إدانة الهجوم وإرسال رسائل عزاء للشعوب الغربية وحكوماتهم، يبديان فيها أسفهما وحزنهما على مقتل شاربي الخمور والزناة المجرمين، وينددان بالهجمات التي استهدفتهم بأشد العبارات.

ولكن الهجوم على المدرسة “الهاشمية” الذي كان ضحاياه من المسلمين الأطهار وحملة كتاب الله الصغار ودارسي المدارس الإسلامية، وحزن وغضب لأجلهم جميع الشعب الأفغاني، فبدلاً من إدانتها وبدلاً من مواساة أهالي الضحايا ومشاركتهم الأحزان بارك مسؤولوا الحكومة المشتركة العميلة هذه الغارة واعتبروها من مكتسباتهم وإنجازاتهم، واعتبروا ضحايا الهجوم من الأطفال المعصومين إرهابيين وضاعفوا في معاناة ذويهم وحزنهم ورشوا الملح على جرحهم.

 

وعصارة القول: إن الغارة الأمريكية على المدرسة “الهاشمية” التي تبنت الحكومة المشتركة مسؤوليتها بإيعاز من واشنطن أظهرت للشعب الأفغاني وللعالم أجمع الصورة الحقيقية للمحتلين وعملائهم.

كشف هذا الهجوم بأن الهدف الأساسي للأمريكيين ونظامهم العميل الكفري في أفغانستان هو المعتقدات ومقدسات الدين الإسلامي، ولا يراعون في سبيل محاربتها الحدود الأخلاقية ولا ضوابط الحرب المسلمة دوليا.

وكذا أثبت الهجوم أن العملاء المسلَّطين على بلادنا ليسوا إلا دمى بيد أمريكا ولا يدافعون إلا عن المصالح الأمريكية ولا يريدون الخير لشعبهم.

وقد أظهرت الغارة الجوية على المدرسة “الهاشمية” للشعب الأفغاني وللعالم أجمع؛ حقيقة مساعي الحكومة العميلة الخداعة الكاذبة للسلام، وأنهم يسعون تحت غطاء شعارات السلام الكاذبة إلى إراقة دماء الأبرياء العزل، ويستهدفون المدارس الدينية والمقدسات الإسلامية تسعيرا للحرب في أفغانستان، وصبا للزيت على نارها.

إن الغارة الوحشية على المدرسة “الهاشمية” في كندوز لم تعزز أواصر الأخوة والوحدة بين الشعب الأفغاني فقط، بل أحيت روح المواساة والتعزية بين المسلمين في جميع العالم الإسلامي، لأنه لم تُندّد إلى الآن جريمة من جرائم أمريكا وانتهاك من انتهاكاتها بشكل شامل وسريع لتخرج مظاهرات من المغرب الأقصى إلى فلسطين، ومن الشام الحبيبة إلى الشيشان وفي أنحاء العالم الإسلامي، وينددها علماء العالم الإسلامي.

وقد أضفت هذه الغارة مزيدا من الشرعية على مقاومة الأفغان الجهادية ضد المحتلين الأمريكيين وعملائهم الأراذل، وأثبتت أن الحرب التي يخوضها الأفغان ضدهم دفاعا عن المقدسات حرباً مقدسة ومقاومة جهادية مطهرة، وبنصر من الله سبحانه وتعالى لتصلن إلى مرحلة الإنتصار بإذن الله، وماذلك على الله بعزيز.