مجزرة قندوز الأخيرة!

عرفان بلخي

 

إن المعركة بين الحق والباطل معركة قديمة حتى سبقت هذه الحياة البشرية على الأرض، فالحرب لا تهدأ مادام هناك حق وباطل وخير وشر، وما دام الشيطان يحثّ أعوانه على إطفاء نور الله ومقاتلة المؤمنين.

بتاريخ 3 أبريل/نيسان الجاري قامت قوات الاحتلال وعملائهم بعمل جبان للغاية، حيث قصفت حفلاً لتخريج حفاظ كرام في باحة مدرسة ومسجد؛ فقتلت أكثر من 170 من طلاب العلم ومن الحفاظ الكرام الذين لم تتجاوز أعمارهم مرحلة الطفولة، وأصابت 250 من المدنيين العزل، حيث كان هناك حوالي 1000 شخص لحضور المراسم أثناء غارة طائرة تابعة لسلاح الجو الأفغاني والذي يتحرك بإشراف أمريكي مباشر، وقصفت حفلاً لتخريج صبيان، حفظة كتاب الله عز وجل.

استشهد وجرح بهذا القصف الأمريكي الإجرامي حفاظ كتاب الله وعلماء وطلاب علم (بمدرسة هاشمية عمرية) في سوق “دفتاني” بمديرية دشت آرتشي بولاية قندوز، والهجوم الذي نفذ بطائرات هليكوبتر، وقع أثناء مراسم دينية، تقام بمناسبة إتمام شبان حفظ القرآن الكريم، في واحدة من أكبر المجازر التي ترتكبها القوات الأفغانية والحليفة ضد المدنيين .

 

“تناثرت الأشلاء الغضة في محيط مقر الحفل، الذي حولته القوات الجوية الأفغانية بجريمتها النكراء ضد الإنسانية إلى بركة دماء، على نحو يذكر بذاك المشهد المريع الذي رآه عمرو بن أمية الضمري وصاحبه الأنصاري رضي الله عنهما، حين كانت الطير تحجل حول شهداء بئر معونة، حفظة كتاب الله الذين قتلوا في السنة الرابعة من الهجرة غدراً؛ فرآهم عمرو وصاحبه مضرجين في دمائهم والخيل من حولهم واقفة”. هكذا كتب أحد الأخوة (أمير سعيد) بشأن هذه المجزرة.

وأضاف: “وليس من عجب أن يستدير الزمان، فالغدر هو الغدر، ليرينا قصة من بعد أخرى بعد أربعمائة عام ونيف، يتكرر فيها المشهد ذاته، لقراء حانت لحظة نقلهم ما درسوه من قرآن كريم، وعلم شريف إلى غيرهم؛ فأصابتهم سهام الغدر والخيانة والخسة، تولى كبرها في نسختها القديمة، كادت القصة أن تكون مستنسخة؛ فالشهداء يكافئون في أفغانستان عدد شهداء بئر معونة، وهم كذلك من القراء الفقراء، كانوا يتأهبون لحمل هذه الأمانة العظيمة إلى غيرهم بلاغاً وتعليماً وتدريساً”.

 

ولما كانت الحرب بلاء الإنسانية وفيها تسيل الدماء وتزهق النفوس وتواجه الشدائد والمكاره؛ فعلى المؤمن أن يدرّب نفسه على الصبر في الشدائد والمحن، والمؤمن المجاهد لا ينفد صبره على طول المجاهدة، وإن حاول الأعداء أن ينفد صبره، بل يظل أصبر من أعدائه وأقوى منهم في تحمل المصائب والمشاق، ولقد أثنى الله على الصابرين وأرشد المؤمنين إلى طريق السلامة من شر الكفار وكيد الاشرار بالصبر والثبات .

نحن نرى بأم الأعين مظالم ترامب وجنوده يوميا، وقبل ذلك كانت حادثة مماثلة من القصف على حفل تخريج علماء في ولاية فراه. إن جرائم قوات الاحتلال وعملائه من نسف وقصف وقتل وإحراق وتدمير لا تعد ولا تحصى، ولقد شاهد العالم صور المقتولين المدنيين الأفغان في الأعوام الماضية الصور التي التقطها جنود الاحتلال كتذكار! ولاشك أن الصور كانت في منتهى الفظاعة وغاية البشاعة لأن الجندي الأمريكي يمسك برأس جثة إنسان معراة والضحية مضرجة بالدماء، ويؤكد أنها قتلت بالخناجر والسكاكين والرصاصات الحية في الرأس والصدر والظهر، كما أن الأعداء بتروا اطراف بعض الجثث واحتفظوا بأشلاء أخرى والتقطوا صورا إلى جانب الجثث كتذكار خالد!

ورغم كل ذلك، فإن الولايات المتحدة تظل تصور نفسها بأنها الراعي الرسمي لحقوق الإنسان في العالم، وتناشد وتعطي الدروس لدول العالم في احترام حقوق الإنسان، و الديمقراطية والحرية، دون أن يؤثر فيها ما ترتكبه قواتها من انتهاكات صارخة في بسيط المعمورة.

ويوم 11 مارس 2012، تم قتل ستة عشر مدنيًا وإصابة ستة آخرين في منطقة بانجواي في ولاية قندهار معقل الأبطال والمناضلين بواسطة الجناة الأمريكيين. تسعة من الضحايا كانوا من الأطفال، وأحد عشر من القتلى من عائلة واحدة، وأُحرِقت بعض الجثث في وقت لاحق من صباح ذلك اليوم، وذلك بفعل المجرم روبرت بيلز من جيش الولايات المتحدة الأمريكية.

إن أمريكا لا تلتزم لا بقانون ولا بأعراف ولا بمواثيق، وإنما تسعى لمصالحها الذاتية، وهيمنتها الشخصية، دون مراعاة لروابط دولية، فهي كانت تنادي بالديمقراطية، ولما وقعت عليها الهجمات في الحادي عشر من سبتمبر، تلاشت الديمقراطية المزعومة.

فأين أمة المليار من هذه الثيران الهائجة والوحوش الشريرة والتجاوزات الفظيعة؟! أين العقلانية؟! أين الإنسانية؟! أين القيم الأخلاقية؟! بل أين القوانين الدولية؟! أليس فيهم رجل رشيد؟! حقًا إن هذه جرائم وحشية والله بكل ما في الكلمة من معنى.

يقول السيد جمال الدين الأفغاني رحمه الله : “ملعون في دين الرحمن، من يسجن شعباً، من يخنق فكراً، من يرفع سوطاً، من يُسكت رأياً، من يبني سجناً، من يرفع رايات الطغيان، ملعون في كل الأديان، من يُهدر حق الإنسان”.

 

فلتعلم أمريكا أن في مواجهتها في أفغانستان شعب أبيّ متدين يقاوم الاحتلال وعملائه المجرمين، ما ضعفت نفوس أبنائه الأشاوس لما أصابهم من البلاء والكرب والشدة والجراح، وما ضعفت قواهم عن الاستمرار في الكفاح، وما استسلموا للجزع ولا للأعداء. فهذا هو شأن المؤمنين، المنافحين عن عقيدة ودين. هم الذين لا تضعف نفوسهم، ولا تتضعضع قواهم، ولا تلين عزائمهم، ولا يستكينون أو يستسلمون .

 

إن أصحاب العقيدة لا يخضعون أمام الطغاة والجبابرة، وهناك خوارق صنعتها العقيدة في الأرض وما تزال تصنعها كل يوم بجدية لا نظير لها، الخوارق التي تغير وجه الحياة من يوم إلى يوم، وتدفع بالفرد والمجتمع إلى التضحية والفداء في سبيل الحياة الكبرى الكريمة التي لا تفنى ولاتبيد، وتقف بالفرد أمام السلطان وقوة المال والحديد والنار فإذا كلها تنهزم أمام هذه العقيدة السامية.

هذه العقيدة قوة هائلة في أيدي المؤمنين، قوة الينبوع المتفجر الذي لا ينضب ولا ينحصر ولا يضعف أمام السلطان والجبروت وقوة الحديد والنار، القوة التي تدفع بالمؤمنين إلى الموت الذي يخلق حياة الأبد والفناء الذي يمنح الخلود الدائم والتضحية التي تورث النصر والفوز المبين. وهذه القوة مستمدة من الدين الذي يعلن التحرير التام للانسان في الأرض من العبودية لهؤلاء الطغاة الجبابرة المعتدين .

إن شعبنا الشعب الأبي مسلح بسلاح الإيمان ومن ثم بالعزّ الأفغاني الذين لا يتوفران في مستودعات أسلحة أمريكا ولا في مخازن حلفائها، ولا يملك العدو وسائل الدفاع ضد ذلك السلاح. ولو قتلوا منا آلافاً مؤلفة، نحن على يقين أن في النهاية سينتصر السلاح الإيماني على السلاح المادي بمشيئة الله عز وجل، كما انتصر قبل ذلك مراراً في أحقاب الدهر. إن بلادنا كانت قلعةً منيعةً حصينةً من قلاع الإسلام على مر تاريخها، فقد قاومت جميع الغزاة المعتدين على أرضها، ومن الممكن أن تطول مدة الحرب ولكن الله للمجرمين بالمرصاد .

ثلاثون عامًا أمضاها الفرعون ظالمًا متجبرًا؛ لا يعبأ بخصومه الذين يتكاثرون على مدار الساعة! وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت؛ ولم يكن لهم من ملجأ إلا البر الرحيم؛ وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون.

ولما كان الطغاة والفراعين قد تمكن الطغيان من نفوسهم، وسرى فيها سريان الدم في العروق؛ فلا هم يسمعون صرخات المظلومين، ولا هم يشعرون بمعاناتهم، ولا هم يعبأون بأناتهم، بل كانوا يهزأون بدعائهم ويزدرونه! والملك الحق يسمع ويرى. أجل سبحانه يمد الفراعين في طغيانهم يعمهون، ولكن الله يقول لدعوة المظلوم وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين !

والفجر من خلف الدياجي مقبل.