الافتتاحية: فاتورة الإجرام ستدفع لا محالة

حوالي 200 مواطن أفغاني أصيبوا واستشهدوا بقصف على مدرسة دينية بقندوز شمال أفغانستان. القصف الذي أمر به المحتل الأمريكي ونفذه جنود الحكومة العميلة؛ استهدف حفلاً لتكريم حفظة كتاب الله، كان يحضره عدد غفير من الطلاب وأهاليهم والعلماء. معظم ضحايا الغارة الحاقدة هم من الأطفال والصبية الصغار الذين اختلطت دماؤهم بمصاحفهم وأنّاتهم بتراتيلهم.

صور الشهداء الحفّاظ الصغار امتلأت بها شبكات التواصل الاجتماعي في العالم الإسلامي؛ فاضحة صمت وسائل الإعلام العالمية المأجورة، وانحياز المنظمات الإنسانية والحقوقية المزيفة، ونفاق الحكومات المتسلطة على رقاب أبناء العالم الإسلامي.

حالة “صمت الأموات” التي انتابت الحكومات والمؤسسات والمنظمات والوكالات تجاه هذه المجزرة البشعة، ثم ضجيجها وعويلها الذي يصل للسماء في حوادث أخرى يُجرح فيها اصبع لشخص مصنف من بشر “الدرجة الأولى” –  البشر ذوو “الدم الأزرق النبيل”-؛ كل هذا ينبئ بشكل العالم القذر المنحط الذي نعيش فيه اليوم!

إن مقتل عشرات الأطفال الأبرياء في أفغانستان – ظلماً وعدواناً- لا يهز شعرة واحدة في جسد هذا العالم الظلوم، ولا يكدّر له ضميراً أو يحرك له وجداناً! لكن قيامة هذا العالم القبيح تقوم ولا تهدأ، إن دافع أحد المظلومين عن بلاده وعن أهله وعن دينه وعن عرضه من عدوان اللصوص؛ لصوص الأوطان والإيمان والأرواح والثروات! اللصوص الذين منهم يبتدئ الشر كله، وإليهم ينتهي.

لكن الأشد قبحاً والأكثر فجوراً وظلماً هو أن يقبل الجندي “الأفغاني” أن يغرس خنجر الموت في ظهر ابن أبيه؛ حباً بدولارات السيد الأمريكي المحتل، وطاعة وعمالة!

إن كل أفغاني عميل – مهما علت مرتبته الوظيفية لدى سادته المحتلين- لا يزيد على أن يكون أداة يحرّكونها بأزرار التحكم، وسيلقونها -إن عاجلاً أم آجلاً- في أقرب مزبلة عند انتهاء صلاحيتها، أو عندما تحين ساعة هروبهم وفرارهم من أرض الأفغان مأسدة الأسود.

وحينها سيجد العميل الأفغاني نفسه وحيداً، بعد أن لم يدخر جهداً ولم يترك باباً من أبواب خيانة دينه وبلاده والتنكيل بأبناء شعبه وخدمة عدوهم؛ إلا دخله! وحينها أيضاً، سيحاسبه أبناء شعبه على كل صغيرة وكبيرة جنتها يداه، وهو الذي وضع أصابعه في أذنيه عناداً للأصوات التي كانت تناديه وتدعوه للتوبة والعودة إلى أحضان إخوته وأبناء شعبه المضطهدين.

وفاتورة اصطفافه في معسكر المحتلين الصليبيين ضد أبناء شعبه سيدفعها -لا محالة- وسيتحملها هو وحده، ولن يتحملها عنه أسياده المحتلين. لأن فاتورة أسياده المحتلين لوحدها أكبر وأطول وأشمل بكثير من ثأر الأفغان منهم؛ فكل المسلمين على كوكب الأرض لهم ثأر عند الشمطاء، قبيحة الوجه والكفيّن؛ أمريكا اللعينة، ولو قضوا ثأرهم منها في عشر سنين لكانوا استعجلوا ثأرهم.

 

أما أنتم أيها الشهداء الأطهار الأخيار، فنحسبكم ونحتسبكم عند الله الكريم الرحيم، أحياءً في جوف طيور خضر، كما في الحديث: (عَنْ مَسْرُوق قَالَ: إِنَّا سَأَلْنَا عَبْداللَّه بن مسعود عَنْ هَذِهِ الْآيَة: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ” فَقَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “أَرْوَاحهمْ فِي جَوْف طَيْر خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيل مُعَلَّقَة بِالْعَرْشِ تَسْرَح مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبّهمْ إِطْلَاعَة، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ فَقَالُوا: أَيّ شَيْء نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَح مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ شِئْنَا؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاث مَرَّات، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يَسْأَلُوا قَالُوا: يَا رَبّ نُرِيد أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نُقْتَل فِي سَبِيلك مَرَّة أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَة تُرِكُوا”).

وحسبكم عزاً وفخراً أن جمعتم بين شرف حفظ كتاب الله وشرف الشهادة في سبيله، وأنّ آخر عهدٍ لكم بهذه الدنيا الفانية؛ تلاوة آيات القرآن، وأنّ أول عهدٍ لكم بالأخرى الباقية؛ زفافكم مع السفرة الكرام البررة إلى جنان الرحيم الرحمن.