مصير أشرف غني بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان

عبدالرحيم ثاقب (كاتب ومحلل سياسي)

 

بمناسبة انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان في فبراير – شباط من عام ۱۹۸۹م، عقد الدكتور نجيب الله زعيم النظام الشيوعي آنذاك، اجتماعا عند البوابة الغربية للقصر الجمهوري في مفترق آریانا (ّاریاناچوك) شكر فيه القوات السوفیتیة المنسحبة!

حاول الدكتور نجیب في كلمته بث روح الدفاع والصمود في قلوب جنوده بعد انسحاب القوات السوفیتیة من افغانستان.

قاوم نظام نجيب الشيوعي المجاهدين لمدة ثلاث سنوات. وسقط أخيرًا في أبريل من عام۱۹۹۲م.

لجأ الدكتور نجيب الله إلى مكتب منظمة الأمم المتحدة في كابول بعد محاولته الفاشلة السفر إلى الخارج، حيث ظل فيه تحت الإقامة الجبریة، حتى سيطرة طالبان على كابول في أيلول- سبتمبر لعام ۱۹۹6م. وفور وصول طالبان إلى مكتب المنظمة، أخرجت الدکتور نجیب الله وأعدمته في نفس المكان الذي ودع فیه القوات السوفیتیة وشكرها علی انجاز مهمتها في افغانستان.

الآن مرة أخرى، وكأن عقارب ساعة التاريخ ترجع إلى الوراء؛ تركت القوات الأمريكية الرئيس أشرف غني وحيدا في أفغانستان وفي نفس القصر، وخرجت منهزمة من أكبر قاعدة أمريكية في باغرام في ظلام الليل الدامس.

 

مقارنة بين حالة الدكتور نجيب والدكتور غني

بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان، بقي الدكتور نجيب الله وحيدا في الميدان أمام هجمات المجاهدين.

في ذلك الوقت، كان نظام الدكتور نجيب الله يحكم عواصم المحافظات الأفغانية فقط، لكنه كان أقوى من حكومة غني الآن؛ لأن مسؤولي الدفاع والأمن في نظام الدكتور نجيب كانوا ملتزمين أيديولوجياً تجاهه، كما أن دفاعهم عن النظام الشيوعي كان مبنياً على أيديولوجية حزبية.

لكن نظام الدكتور غني الحالي يفتقر إلى هذه الخاصية، لأنه لا يملك جيشا يدافع عنه فكريا، كما لا يوجد في حاشيته من يرتبط به فكريا أو عقديا.

كان مخالفوا نجیب الله (المجاهدین) منقسمون إلى عدة أحزاب وقیادات، لكن خصوم الدكتور غني الحالي (طالبان) متحدون ضد النظام في عموم البلاد وتحت قیادة موحدة.

, بالنظر إلى هذه المقارنة، يبدو أن نظام الدكتور غني سينهار في وقت أقل مما كان متوقعًا.

لأنه مع بقاء شهرين على موعد انسحاب القوات الأجنبية (11 سبتمبر)، أصبحت معظم أجزاء البلاد وكذلك الطرق السريعة، خارج سيطرة حكومة غني، وبالتأكید بعد الانسحاب الكامل للقوات الأجنبیة ستبدأ عملية سقوط المحافظات بدلاً من المدیریات.

المشكلة الأخرى لإدارة غني أنها ليست مهددة بالسقوط من الخارج بسبب هجمات طالبان فحسب؛ بل هي مهددة من الداخل أیضا نتیجة انقسامات داخلية شديدة وانعدام الثقة بین أعضائها، حیث لم یتمكن أشرف غنی من كسب ثقة عبدالله عبدالله، رغم مرور ما یقارب سنة علی تأسیس شوری المصالحة الوطنیة.

ناهیك عن الفساد المستشري في الحكومة، والذي أدى إلى تشويه سمعتها ویأس داعمیها عن مواصلة دعمهم المالي لها.

لذلك ليس لدى غني أي فرصة لتغيير الوضع، وإنقاذ حكومته الضعیفة من الانهيارالقریب.

كانت رحلته إلى واشنطن بصحبة عبدالله عبد الله في ۲۵ من حزيران/يونيو غير مثمرة، وأخبرهم الرئيس بايدن علنًا أنه يجب عليهم أن يحلوا مشكلتهم بأنفسهم، وأن لا يتوقعوا أن يفعل البيت الأبيض أي شيء آخر تجاهها.

 

هيمنة طالبان العسكرية

مع بدء انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان؛ سيطرت طالبان على أكثر من 85% من مساحة البلد، واستولت على الكثير من المدرعات والمركبات العسكریة والذخيرة في العشرات من المدیریات ومئات من القواعد العسكرية الأخرى، بحيث يمكنهم الآن منافسة جیش حكومة غني الذی جهزته الولایات المتحدة بالأسلحة المتطورة، والبالغ عدده 450000 جندي أفغاني.

لذلك جنود ‍طالبان يعتبرون أنفسهم أبطال معركة الحریة ويتمتعون بمعنویات قتالیة عالیة.

طالبان الیوم لیست طالبان الأمس، حیث كانت بحاجة إلى إرسال القوات من الجنوب إلى الشمال لتعزيز سیطرتها هناك، بل حاليا لها قوات مسيطرة في الشمال مجهزة بأحدث أنواع الأسلحة وتجهيزات عسكرية كافية.

على سبيل المثال: تمكنت طالبان في مقاطعة بدخشان الجبلية من الاستيلاء على مديريات استراتيجية، مثل: وردوج، ويمنغان، قبل ست سنوات من اليوم.

هيمنة طالبان العسكرية، والانقسامات الداخلية بین أعضاء الحكومة، والفساد الإداري المنتشر فیها، وهروب الأفغان من البلاد، وتفاقم الفقر والبطالة، كلها عوامل تقريب لحظة سقوط حكومة غني.

سواء طالت فترة ولاية أشرف غني أم قصرت، من غير الواضح ما إذا كانت ستتاح له فرصة مغادرة البلاد برفقة قرینته رولا غني، أم سیضطر إلى اللوجوء للسفارة الأمریكیة، كما اضطر قبله الدکتور نجیب الله إلى اللجوء لمكتب الأمم المتحدة بعد انسحاب القوات السوفیتیة من افغانستان!