وصايا ذهبية من المجاهد المجدد الحقاني رحمه الله إلى المجاهدين

أخي المجاهد!

إنّ الجهاد مدرسة يتعلم فيها المجاهد تقلّبات الحياة وحُلوها ومُرّها. وإنّ لتلاميذ هذه المدرسة الجهادية سِماتٌ خاصة لا يمكن بيانها أو كتابتها بالقلم؛ لأنّ هذه السمات العالية متجسدة في أخلاق هؤلاء العباد الرفيعة، عباد صالحون اصطفاهم الله سبحانه وتعالى لهذه المدرسة الفاخرة، وخاطبهم بقوله: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ). – التوبة : ۱۱۲.

 

أخي المجاهد!

بما أنني قضيتُ شطرًا كبيرًا من حياتي كمتعلم في هذه المدرسة ثم كمُعلم، فرأيتُ في حياتي كثيرًا من التلاميذ الذين يصدق فيهم قوله سبحانه وتعالى: (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ـ ال عمران : ۱۴۰

وكانت الصلة الإيمانية والأخوة الإسلامية وطيدة بيننا، وإنْ نسيتُ معظم الأشياء بسبب شيبتي إلا أنّ الخُلق المثالي والغيرة الإسلامية لأولئك الشباب وإيثارهم الجهادي فلا أنساه منهم أبدًا.

وقد مضى عهدٌ طويل من تلك الأعوام والسنوات، ومن الممكن بأن لا يكون أحد من أولئك الشباب أحدٌ حيًّا يُرزَق بين أظهرنا الآن، إلا أنّ وجوههم الحسنة، وسِجلّهم الجهادي منقوش على ذهني وفؤادي.

وعلى سبيل المثال: بقيت في ذهني ذكرى شجاعة الشهيد المولوي أحمدجول، وإيثار المولوي فتح الله، وصبر الشهيد المولوي نظام الدين، وتضحيات الشهيد محمد إسماعيل، وتفقّه الشهيد الشيخ عبد الله عزّام، وسخاء الشهيد الشيخ أسامة بن لادن، وغيرة الشهيد أبو مصعب الزرقاوي، وعبقرية الشهيد خطّاب، وتضحية أبو الحارث، ووفاء أبي الوليد المصري، بقيت حتى الآن في ذاكرتي كذكريات جميلة عاطرة.

وحتى الآن عندما أذكر ذكريات الجبهات الجهادية، إخالُ بأنّني جالسٌ معهم في خنادق جوره، وبري، وتورغر، نترصّد حركات العدوّ في مدينة خوست.

وحتى الآن أذكر صُورهم، وصورهم منقوشة في ذاكرتي إلا أنّ فراقهم وابتعادهم عنّي يوجعني، ولا أدري لماذا حُرمتُ حتى الآن من السعادة (الشهادة) التي نالوها منذ أمدٍ بعيدٍ.

وأغتبط في حياتي أكثر من أخلاق زملائي الشهداء وتضحياتهم في سبيل الله.

 

إخواني المجاهدين!

كما قلتُ سالفًا بأنّ الجهاد مدرسة يتعلّم فيها الإنسان درس سعادة الحياة، وهذا الدرس نظريٌ في المدارس الأخرى ولكن عمليٌ في مدرسة الجهاد. التقوى، والصداقة، والتضحية، والإيثار كلّها عملية في مدرسة الجهاد.

الجانب العملي قوي جدًّا في الحياة الجهادية والتعليمات الجهادية لدرجة أنّ أحدًا لو تلا سور الأنفال، والتوبة، والأحزاب، أو تلا كتاب المغازي في صحيح البخاري، يخالُ بأنّه حاضرٌ وموجود في بدر، وأحد، والخندق، وحنين.

 

أيها الإخوة!

إنّ الله سبحانه وتعالى قد منح المجاهدين في بدر فتحًا تاريخيًا عظيمًا، هل تعرفون سببه؟

نعم؛ كان سبب ذلك الخضوع والانكسار.

فالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رفعوا أكفّ الضراعة والانكسار قبل غزوة بدر: (اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلامِ، فَلا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا )، وهنالك أنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية الكريمة: ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) – آل عمران : ۱۲۳.