ضربات استشهادية انتقامية متوالية

بقلم الاستاذ خلیل

 

لا زالت رحى الظلم تدور على رؤوسنا، ولا زال السفاك متعطشا للدماء، ولا زالت المعركة محتدمة وجرائم المحتلين بالغة إلى قمتها.

نعم، ولازال المحتلون يداهمون منازل الأفغان الأبرياء ويقتلونهم بدم بارد، ولازالت طائرات تحلق في سماء أفغانستان وتطلق الصواريخ على من تشاء، ولا زالت قوات الاحتلال تقف وراء العملاء الأنذال وتحرضهم على مقتل الشعب المسكين المضطهد، وما كان للشعب الأفغاني أن يرضى على الضيم ويقف مكتوف الأيدي أمام جرائم الاحتلال الأمريكي الغاشم.

فاستجابت الإمارة الإسلامية دعوة شعبها المنكوب ولبّى الإستشهاديون النداء، وجاء الرد القاسي على المحتلين وأذنابهم، وزلزلت ضربات استشهادية متتالية عروش الكفر والطغيان وأودت عمليات جهادية متوالية بحياة عشرات المحتلين المعتدين وعملائهم الداخليين.

الأولى منها نسفت وكر الاحتلال والفساد “غرين فيليج” حيث انطلقت كوكبة من الإستشهاديين الأبطال فامتطى الملا أنس الهلمندي صهوة جواده وفجره في بوابة مجمع محصن للمحتلين، وبعد وقوع الانفجار فورا اقتحم عدد من الإنغماسيين الأبطال (وهم مجتبى الميداني، ومحمد الغزنوي، والحافظ أحمد البكتياوي، وإبراهيم الكابولي) القرية الخضراء وبدأوا يشتبكون مع المحتلين بالأسلحة الثقيلة والخفيفة.

وكانت حصيلة العملية مقتل وإصابة عشرات من المحتلين وأذنابهم الداخليين المكلفين بحراسة المجمع.

وفي بادئ الأمر أنكر العدو وقوع خسائر في صفوف المحتلين الأجانب وانتهج سياسة كتمان الخسائر ولكن بعد مرور شيء من الوقت اعترف رويداً رويداً بعد ما تيقّن أن سياسة الكتمان لن تجديهم شيئا.

تقع القرية الخضراء “غرين فيليج” بالقرب من مطار كابول وتحتوي على 1800 غرفة، ويقطنها أكثر من 700 شخص من عناصر “بلاك ووتر”، ومتعاقدين وعسكريين أمنيين وجواسيس وعملاء قوات الاحتلال، وتملِك كثير من المؤسسات الدولية مكاتب هنا، ولم تكن هذه هي المرة الأولى لاستهداف “غرين فيليج” بل تعرّضت القرية الخضراء سبع مرات إلى ضربات أسود الإمارة الإسلامية.

 

الاحتماء بالمدنيين

إن المحتلين وأذنابهم ينتهجون من البداية إستراتيجية لئيمة وجبانة، حيث يستعملون المدنيين الأبرياء كدروع بشرية، ويؤسسون مراكزهم وقواعدهم بالقرب من المناطق المكتظة بالسكان، يحتمون بالمدنيين ويضحون بالأبرياء بحثا عن النجاة، وقد فضح الهجوم على “غرين فيليج” المحتلين وكشف جرائمهم الحربية إلى العالم بأنهم لا يراعون قوانين الصراع وضوابط الحرب الدولية، ولا قيمة لديهم لحياة الأبرياء المدنيين.

فقد خرج مئات من الأهالي الغاضبين في تظاهرة يطالبون بنقل “غرين فيليج” من هذه المنطقة لأنها عرّضت حياتهم إلى الخطر.

وقد كتبت صحيفة “ذي نيشن” الأمريكية في 6 من سبتامبر مقالا بعنوان (القرية الخضراء واجهت حياة الأفغان المدنيين بالخطر) ومما جاء فيه:

أثبت هجوم طالبان على القرية الخضراء أن الشركات الأمنية الخاصة استخدمت سكك مدينة “كابول” للأهداف العسكرية.

وتضيف الصحيفة: لما استُهدفت القرية الخضراء، خرج مئات من الأهالي الغاضبين في تظاهرة وأحرقوا 40 سيارة، مطالبين بأن يتم نقل القرية الخضراء عن هذه المنطقة، لأنها عرّضتهم ومنازلهم للخطر.

ويقول أحد المتظاهرين البالغ من العمر إلى 43 سنة السيد “أحمد زاى”: (أنا لا أريدهم هاهنا، أنا لا أريد قاعدة للأجانب هنا) وأضاف: (ما داموا هنا سنُقتَل، وقد قُتِل بسببه كثير من الأبرياء، فلو لم تقم الحكومة بهذا الأمر سنقوم به بأنفسنا)

وتكتب ذي نيشن: أن المظاهرين لما هاجموا على “غرين فيليج” أطلق حراس هذه القاعدة النيران عليهم مما أدى إلى إصابة 15 نفرا من المتظاهرين.

وتضيف ذي نيشن: أن أكثر سكان هذه المنطقة فقراء، منازلهم مبنية من الطين، ويقول الأهالي إنه كلما تعرّضت القاعدة للهجوم تأثرت منازلهم ودكاكينهم بنسب متفاوتة.

ويقول أحد سكان هذه المنطقة السيد “فريد” (نحن نعلم أن هؤلاء يربحون ملايين الدولارات ولكن من الواضح أن حياتنا لا تهمهم قدر دولار واحد، ولن يسود السلام في أفغانستان ما دامت القوات الأمريكية والشركات الأمنية المرتبطة بها موجودة هنا، وقد صرحت طالبان بهذا مرارا.))

 

هجومان إستشهاديان في يوم واحد

وفي 5\9 شنّ المجاهد الاستشهادي محمد عمر البكتياوي على موكب سيارات لضباط الاستخبارات الأجانب في كابول، مما أدى إلى مقتل 12 من المحتلين وعملائهم، وهذا هو الهجوم الذي أغاظ “ترامب” ففاجأ العالم بتغريدات أخبر فيها عن وقف المفاوضات بين المحتلين الأمريكيين وإمارة أفغانستان الإسلامية، ولكن وفقا لوسائل الإعلام الأمريكية لم يكن سبب وقف المفاوضات مقتل جندي أمريكي كما برر “ترامب” موقفه بهذا، والسبب الرئيسي لوقف المفاوضات هو عدم رضوخ قادة الإمارة الإسلامية إلى مطالب أمريكا ورئيسها.

وفي نفس اليوم هاجم البطل الإستشهادي “محمد ياسين سالار الهلمندي” موكبا للمحتلين والعملاء أثناء عودتهم عن عملية ضد الشعب الأفغاني بشاحنته المفخخة وكانت حصيلة العمليات تدمير أربع سيارات للمحتلين وعملائهم، وهلاك قرابة عشرين جنديا من المحتلين والعملاء.

تأتي سلسلة هذه الهجمات في وقت حساس ووتحمل في طياتها رسائل مهمة للمحتلين الأجانب:

إن هذه الضربات الإستشهادية المتوالية على المحتلين تعني أننا لم نمل عن الجهاد وأننا سنواصل جهادنا حتى يرفع عن الشعب الأفغاني الظلم والعدوان وننعم في ظل نظام إسلامي بالأمن والأمان، ونعيد الاستقلال لبلادنا من الاحتلال، وإن أصر العدو العنيد على استمرارية الاحتلال فنحن مصرون على مواصلة الكفاح والمقاومة ضد قوى الاحتلال والعمالة، وشعارنا لا هدنة في تواجد الاحتلال، فالأفغان بإبائهم الطبيعي لن يرضخوا للاحتلال الأجنبي وسيواصلون كفاحهم وجهادهم ضده بكل ما في وسعه.

إن المحتلين مهما تحصنّوا ومهما اختفَوا وتخندقوا ومهما تدرعوا فإنهم لن يعيشوا في أرضنا آمنين، إن أبطالنا الإستشهاديين سيطاردونهم وإن نيراننا ستلاحقهم وستنكي فيهم أيما نكاية.

إن الهدف من المفاوضات هو إنهاء الاحتلال الذي أفسد الدين والدنيا وإعادة النظام الإسلامي وليس الهدف من ورائها السعي للحصول على المناصب والكراسي، وإن المجاهدين لم يتنازلوا أثناء المفاوضات عن موقفهم قيد أنملة وستستمر المفاوضات والعمليات في الفنادق والخنادق معاً.