وظنّوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله

قبل ثلاثة عشر عاماً حین احتلّت القوات الصلیبیة بقیادة راعیة الشر أمریكا أرض الأفغان أنشأت آنذاك في أرجاء هذا البلد أكثر من 800 قاعدة  ومركزاً عسكریا، وشيدّت أمریكا تلك القواعد بأحدث ما توصّلت إلیه من وسائل تشیید القواعدالعسكریة ،و زوّدتها بأحدث وسائل الرصد والحراسة وتقنیة الاتصالات،لأن أمریكا كانت ترید أن تُحكم سیطرتها علی هذا البلد، وأن تُخضع أهله من هذه القواعد عسكریا،ًوسیاسیاً،وفكریا،و لكونها كانت تشمل علی المرافق العسكریة وأقسام الفعّالیات السیاسیة والإعلامیة . 

كل واحدة من هذه القواعد كانت هي الحكومة الحاكمة لتلك المنطقة، وفیها كانت تُتخّذ القرارات،ومنها كان ینطلق العسكر للحرب والتدمیر و إرعاب الشعب الأفغاني الأعزل. ومنها كانت القوات الغربیة  تقوم بالغارات والمداهمات اللیلیة لمنازل الناس في القری والأریاف، و فیها كانت مراكز تجنید الجواسیس المحلّیین  في مختلف الأشكال و بمختلف التسمیات والتغطیات. وفیها كانت السجون،كما كانت فیها محطّات البث الإذاعي  باللغات المحلّیة للتأثیر علی أذهان الناس. أنفقت أمریكا وحلفاوها علی هذه القواعد ملیارات الدولارات، وجلبت إلیها أحدث أنواع الكمبیوترات، ومولدات الكهرباء،وقامت بتأثیث مرافقها و مكاتبها بأرقی وأفخم أنواع الأثاث المكتبي والترفیهی والریاضي.كما أنشأت فیها مستشفیات ومرافق صحیة أخری،وزوّدتها بأحدث الوسائل الطبیة. 

ولأهمیة هذه القواعد المجهّزة اهتمت القوات الأمريكیة بحراستها و تشدید أمنیاتها بكل الوسائل من الرصد الجوّي وأبراج الحراسة الأرضیة، وجدران أكیاس الرمال العالیة، وإحاطتها بسیاجات متعددة من الأسلاك الشائكة وغیرها، وكذلك ببث العیون والمخبرین في القری والمناطق المحیطة بها. 

ظنّ الأمریكییون أنّ حصونهم المنیعة مانعتهم من لحوق الهزیمة بهم، وظنّوا أنّهم سیكونون في مأمن من الموت والخوف، ولكنهم غفلوا من أنّ الهزیمة ستلاحقهم في كل شبر من هذه الأرض، وفي كلّ حصن منیع شیّدوه علیها، وأنّ الله تعالی سیُلقي في قلوبهم الرعب، وأنّ الهزیمة ستأتیهم من داخل نفوسهم قبل أن تأتیهم من هجمات المجاهدین علی مراكزهم وقواعدهم العسكریة، وقواتهم المنتشرة في أرجاء هذا البلد. وغفلوا  أن الله تعالی سیُذلّهم بإخراجهم من هذه القواعد والحصون كما أخرج سلفهم في الكفر ومحاربة الإسلام الذین قال الله تعالی عنهم (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ) الحشر / 2 
فهاهي أمریكا تُخرب بیدیها ما قد أنفقت علی بنائها عشرات الملیارات من الدولارات. فهي تدمّر  مراكزها وقواعدها من الداخل، والمجاهدون یدكونها ویخربونها من خارجها.  

إنّ العالم اليوم یشهد كیف تقوم القوات الأمریكیة بهدم مبانیها في قواعدها العسكریة؟! وكیف تقوم بإفساد وتخریب و سائلها العسكریة وغیرها لتبیع قِطَعها بقیمة الحدید التالف المستعمل؟!كما تُعرض أحدث وسائلها للبیع علی المقاولین المحلّيین وباعة الأدوات والأثاث المستعمل في الأسواق التي أقامتها بالقرب من قواعدها العسكریة في (قندهار) و(خوست)، و(بغرام)، وفي داخل مدینة (كابل) التي كانوا یظنّونها لوحة القفر إلی ماوراء أفغانستان. 

إنّ القوات الأمریكیة أقدمت علی تدمیر مبانیها وإفساد و تخریب وسائلها بعد أن أیقنت إیقاناً جازما من هزیمتها أمام المجاهدین،فبدأت بالإعداد للرحیل،وصارت تتخلص من كل مایُثقل كاهلها في الهروب من أرض المعركة. وقد أعلنت قیادة القوات الأمریكیة في شهر (یونیو) من هذا العالم( 2013م) بأنّ أمریكا ستُتلف وستبيع من وسائلها العسكریة من الدبابات والناقلات والوسائل الحربیة الأخری والتي تُقدّر فیمتها بسبعة ملیارات دولار أمریكي،لأن تكلفة نقل هذه الوسائل ستثقل كاهل أمریكا إلی حدّ لا تطیقها.

والغریب في الأمر أنّ  الحكومة العمیلة في كابل طلبت مراراً من أمریكا أن لا تدمّر المباني والقواعد التي بناها الأمریكییون، وأن یسلمّوها الأسلحة والمعدّات  العسكریة والمكتبیة التي یحطّمونها، وألحّت في هذا الطلب  علی مختلف المستویات،إلاّ أن أمریكا رفضت طلب الحكومة العمیلة متذرعة بعدم صلاحیة الجنود العملاء الأفغان لاستخدام تلك المعّدات والأسلحة لأمّیتهم ،ولعدم قدرتهم علی التعامل مع تلك المعدّات المعقّدة . 

أمّا عن المباني والقواعد فقد صرّح الأمریكییون بأنّهم لا یتركون تلك القواعد سالمة لأنّهم یخافون من سیطرة المجاهدین علیها و استخدامها لصالحهم، وهذا يدلّ دلالة واضحة علی أنّ الأمركیین مطمئنّون من انهیار سلطة العملاء علی المناطق،و واثقون من عودة المجاهدین إلیها مرّة آخری. 

والسبب الآخر لتدمیر تلك المباني و المكاتب هو أنّ أمریكا یحكمها نظام رأسمالي یعبد المادة، ولايرید أن يصرف ماله فیما لایعود علیه بالنفع والأرباح، وبما أنّ المخططات الاقتصادیة والاستثماریة الأمریكیة التي كانت تحلم بها أمريكا في أفغانستان وبلاد آسیا الوسطی قد واجهت الفشل الذریع نتیجة المقاومة الجهادیة للمجاهدین  في هذا البلد،فلا ترید أمریكا أن تترك من منشآتها ومبانیها شیئاً في  أفغانستان یستفید منها أهل هذا البلد المسلمون، ولذلك تدمّر كل شیئ لها،و تبیعه للتجار بقیمة الحدید التالف و الآثاث المستعمل. 

ویثبت من ذلك أنّ ارتباط القوات المحتلة بالإدارة العمیلة وجنودها العملاء لم یكن ارتباط المشاركة، بل كان ارتباط المحتلّین الغاصبین بعملائها المستأجرین العاملین لأسیادهم، وما دام العمل قد انتهی او ما دام أنه لا یُجدي فلا حاجة للإنفاق علی العملاء المرتزقة . 

إن الادّعاءات التي كان یدعیها الأمریكییون وحلفاؤهم الأروبیّون في إعادة إعمار افغانستان وتحسین المستوی المعیشي  لأهلها،و تعبید الطرق، وإنشاء المباني، وإعداد الجیش النظامي القوي لأفغانستان، ما كانت إلاّ  إدّعاءات فارغة،وما كانت إلاّ  لافتات خدّاعة لإلهاء الناس بها، وصرف أنظارهم عن الجرائم التي كان يرتكبهاالجنود الأمريكييون من القتل،والتدمیر، والتشرید، ومحاربة الدین، وسرقة خیرات هذه الأرض. 

وما یُشاهد الآن من أمر الحصون والقواعد الأمریكیة في أفغانستان هو أنّ أمریكا تدمّر حصونها في الولایات البعیدة، و تجمع منها جنودها إلی قواعدها الكبیرة في (مزار) و(كابل) و(هرات) و(قندهار) و(خوست) و (بكتیا) و(جلال آباد) بقصد الحفاظ علیها للأمد الطویل في هذا البلد لمحاربة المجاهدین  والحیلولة دون قیام الحكومة الإسلامیة فیه. وهذا ما صرّح به المسؤولون الأمریكییون مؤخّراً في مساوماتهم الشكلیة مع العمیل (كرزای) لحمله علی التوقیع علی الموافقة الأمنیة الإستراتیجیة التي تنصّ في إطارها علی استمرار وجود القواعد العسكریة العملاقة في أفغانستان. ولكن هذه القواعد لن تمنع الصلیبیین القابعین فیها من نقمة الله تعالی، ولن تجعلهم في أمن من هجمات المجاهدین علیها. وهذا ما شاهده الصلیبییون في الأعوام الماضیة في أكبر قواعدهم في (بغرام) و(خوست) و(جلال آباد) وغیرها من الولایات الأفغانیة. 

إنهم الیوم یدمّرون حصونهم و قواعدهم الصغیرة والمتوسطة،وغداً سيخرّبون قواعدهم العملاقة الكبیرة،إنّهم سيخرّبونها حتماً بعد أن یخرّب المجاهدون أبراجها وحصاراتها لیتحقق قول الله تعالی مرّة أخري حیث یقول في كتابه العزیز(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) الحشر/ 2 

یقول الأستاذ سیدقطب رحمه الله تعالی في ظلال هذه الآیة الكریمة : (( فلاأنتم كنتم تتوقعون خروجهم، ولا هم كانوا یسلّمون في تصور وقوعه ،فقد كانوا من القوّة والمنعة في حصونهم بحیث لا تتوقّعون أنتم أن تُخرجونهم منها كما أُخرجوا. وبحيث غرّتهم هذه المنعة حتی نسوا قدرة الله التي لا تردها الحصون ! ( فأتهم الله من حیث لم یحتسبوا. وقذف في قلوبهم الرعب ). أتاهم من داخل أنفسم : لا من حصونهم ! أتاهم من قلوبهم فقذف فیها الرعب، ففتحوا حصونهم بأیدیهم! و أراهم أنهم لا یملكون ذواتهم،ولا یحكمون قلوبهم، ولا یمتنعون علی الله بإرادتهم وتصمیمهم! فضلاً علی أن یمتنعوا علیه بنیانهم وحصونهم. وقد كانوا یحسبون حساب كل شیئ إلّا أن یأتیهم الهجوم من داخل كیانهم. فهم لم یحتسبوا هذه الجهة التي أتاهم الله منها. وهكذا حین یشاء الله أمراً یأتي له من حیث یعلم و من حیث یقدر، ویعلم كل شیئ وهو علی كل شیئ قدیر. فلاحاجة إذا إلی سبب ولا  إلی وسیلة مما یعرفه الناس ویقدرونه. فالسبب حاضر دائما،ً والوسیلة مهیّأة ،والسبب والنتیجة من صنعته، والوسیلة والغایة من خلقه، ولن یمتنع علیه سبب ولا نتیجة، ولن یعزِّ علیه وسیلة ولا غایة. وهو العزیز الحكیم.ولقد تحصّن الذین كفروا من أهل الكتاب بحصونهم فأتاهم الله من حیث لم یحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب. ولقد امتنعوا بدورهم و بیوتهم، فسلّطهم الله علی هذه الدور والبیوت یخربونها بأیديهم، ویمكنون المؤمنین من إخرابها)) في ظلال القرآن ج2 ص 2352 

وهكذا تحقق نصرالله تعالی لعباده المؤمنين مرّة أخری،وهكذا ضاعت أموال الشعب الأمريكي بتصرّفات قادته السياسيين والعسكريين الحمقی.