أطياف من الإسراء والمعراج!

صلاح الدين مومند

 

يقول العلماء:” إن السماء تنفرج بالأمل في أحلك الساعات دائما، ولقد شاء الله  تبارك وتعالى أن خصّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بآية الآسراء في ليلة مباركة قبيل عام من إذن الهجرة، ولقد كان هنالك ارتباط بين قيام المجتمع المؤمن المتكامل ثمرةً نهائيةً لجهاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبين هذا المدد الإلهي الذي شدّ أزره بآية كونية جليلة هي الإسراء والمعراج في عام من أحلك الأعوام التي مرت به صلى الله عليه وسلم في نضال الدعوة، من الملاحقة بالسخرية والتكذيب، والإيذاء والاضطهاد والمقاطعة له ولأصحابه المستضعفين، في عام الحزن الكبير على فقد أبي طالب العم الرحيم، صنو أبيه، ناصره المطاع، سيد البطحاء، وكذلك على فقد أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، الزوجة الوفية، البارة، أنيسة قلبه، ووزيرة الصدق في دياجير المحن التي كانت في كل الشدائد والملمّات عزاءً وأمناً وسَكَناً. فكانت هاتان الحادثتان من أشد ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحزان الدنيا وشاء الله تبارك وتعإلى أن يُداوي جرح النبي وأن يُسرّي عنه همومه وأحزانه فكانت معجزة الأسراء والمعراج هي التسلية والتأييد والدافع إلى الثبات واتمام الدعوة”.

يقول صاحب ظلال رحمه الله إن: “قصة الإسراء – ومعها قصة المعراج – كانتا في ليلة واحدة – الإسراء من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس. والمعراج من بيت المقدس إلى السماوات العلى وسدرة المنتهى، وذلك العالم الغيبي المجهول لنا.

الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، إلى محمد خاتم النبيين [صلى الله عليه وسلم] وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا. وكأنما أُرِيد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات، وارتباط رسالته بها جميعا. فهي رحلة ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان; وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من الزمان والمكان; وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تتكشف عنها للنظرة الأولى.

ووصف الله المسجد الأقصى بأنه (الذي باركنا حوله) وصف يرسم البركة حافة بالمسجد، فائضة عليه وهو ظل لم يكن ليلقيه تعبير مباشر مثل: باركناه. أو باركنا فيه. وذلك من دقائق التعبير القرآني العجيب. والإسراء آية صاحبتها آيات: ….والنقلة العجيبة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في البرهة الوجيزة التى لم يبرد فيها فراش الرسول [صلى الله عليه وآله وسلم ] أيا كانت صورتها وكيفيتها. آية من آيات الله، تفتح القلب على آفاق عجيبة في هذا الوجود; وتكشف عن الطاقات المخبوءة في كيان هذا المخلوق البشري، والاستعدادات اللدنية التي يتهيأ بها لاستقبال فيض القدرة في أشخاص المختارين من هذا الجنس، الذي كرمه الله وفضله على كثير من خلقه، وأودع فيه هذه الأسرار اللطيفة”.

 

نعم جاءت آية الإسراء في موعدها لتكون في ذروة التكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم من قومه، أتت كالبشرى له بإيمان قومه بعد الصدود والتكذيب. وبشرى بدخول المؤمنين في دين الله افواجاً دعاةً مهتدينَ ومعلمين بدينهم وإيمانهم من مشارق المسجد الحرام في مكة واطراف المسجد الأقصي في القدس، إلى آخر ما تبلغه أضواء المسجدين وصداهما، شرقاً وغرباً في وطن المسلمين الكبير.

لقد كان الإسرء والمعراج من المعجزات الكبرى لنبينا عليه وعلى آله الصلاة والسلام. وأكبر معجزة بعد القران الكريم وذلك لورودها في الذكر الحكيم وصحيح السنة النبوية. كما امتن عز وجل بالصلاة على رسوله الكريم وعلى امته، وإمامته للأنبياء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، وتجاوزه إلى مكان توقف الأمين جبريل عليه السلام، وإلى غير ذلك مما لايُحصى من المشاهد والعبر.

وهنالك تأكد للرسول الكريم صلى الله وسلم في خضم سخرية المكذبين منه وصدود المستهزئين عنه، حقيقة الاتحاد الذي لاينفصم بين الايمان بالله والأمن في الحياة. وحين عودة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة، يعود الرسول الإنسان المؤمن المشفق على أمّته إلى مكانه الذي انطلق منه، يعود بعد ليلة حافلة مباركه، أهدأ بالاً على دعوته وأعظم تفاولاً بمستقبل أمته وأشد نفاذاً ببصره في ملكوت السماوات والأرض من حوله وأكثر بلاغا باليقين إلى الأنصار الذين تكاثروا في صحبته وثبتوا في تأييده، حتي كانت الهجرة وكان الجهاد وكان النصر وكان البناء وكان الإنطلاق في أرجاء الأرض.

 

لقد خرقت معجزة الإسراء والمعراج سنن الكون، لأن قطع المسافات الطويلة في مثل تلك المدة الوجيزة واجتياز البعد الهائل ما بين السماء والأرض غير مألوف في العادة، ولكن ذلك وقع بقدرة الله تعالى جل شأنه.

و لقد رأى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ضمن ما رأى من آيات ربه الكبرى، رأى قوماً يزرعون ثم يعودون فيحصدون ما زرعوا في يوم وكلما حصدوا عاد زرعهم كما كان فيحصدونه ثانية، وهكذا فسأل جبريل عليه السلام فقال: هؤلاء هم المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنات إلى عشر إلى سبعمئة وإلى ماشاء الله تعالى وما أنفقوا شيئا فالله يخلفه.

 

تمر بنا ليلة المعراج وقد مست أبناء الأمة الاسلامية البأساء والضراء، وفئة منهم يجاهدون في سبيل الله منذ عقود وهم في انتظار لطف الله.

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.

آمين يا رب العالمين.