الافتتاحية: الخط المستقيم والخط الأعوج!

تمكّنت مؤخراً شركة الكهرباء الحكومية في إمارة أفغانستان الإسلامية من أداء ديونها للدول الدائنة المجاورة (طاجيكستان، أوزبكستان، تركمانستان، إيران) والبالغة 627 مليون دولار، والتي كانت قد اقترضتها حكومة الاحتلال في وقت سابق. كما سدّدت الشركة، مُقدّماً، فواتير الطاقة المستوردة من الدول المجاورة، وهي المرة الأولى التي تؤدي فيها أفغانستان ما عليها مقدّماً.

كان هذا الخبر ليتوارى بين عناوين آلاف الأخبار اليومية الروتينية لو أنّ فارسه إحدى الدول الغنية والمستقلّة منذ مئات السنين والمعترف بها على الصعيد الرسمي الدولي. ولكن ما أثار الذهول والإعجاب -في آن واحد- أنّ فارس هذا الخبر كانت دولة حازت على استقلالها وحريتها منذ عامين ونصف فقط، بعد عشرين عاماً من الحرب الطاحنة وقبلها عشرات السنين من الحروب والصراعات وانعدام الاستقرار، دولة محاصرة سياسياً فلا يتم الاعتراف بها على المستوى الرسمي العالمي، دولة تُجمّد أصولها المالية لدى البنوك الخارجية في لصوصية سافرة تامّة!

تنجح الإمارة الإسلامية في هذا الشأن، في الحين الذي تفشل فيه كثير من الدول ذات الموارد الغنية المتعددة، والاستقرار السياسي الطويل، والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الواسعة، بل وتغرق في المزيد من الديون والأزمات الاقتصادية الطاحنة!

تنجح الإمارة الإسلامية لأنها اتخذت النظافة والأمانة والشفافية نبراساً تستنير به طريقها إلى الرقي والتقدم والازدهار.

نعم، إنها إمارة أفغانستان الإسلامية إذ يُسندُ الأمرُ إلى أهله وتعود الأمور إلى نصابها فتُحفظ أمانة المحكوم لدى الحالكم، ويؤدي الرائس حق المرؤوس.

إن البلاد لتُزهر بالأمل وينبتُ من أحشائها المجد؛ حينما يتولى قيادتها أبناؤها الذين تعرفهم ويعرفونها، أبناؤها الأصلاء الذين ارتووا بمائها، وخالطت أنسام بساتينها وحقولها أروحهم، وتعفّر جبينهم -حين صلواتهم- بذرات رملها وترابها؛ أبناؤها الذين نبتوا على تربتها كشجرة ياسمين ضاربة الأعماق، فتجذّر حبُها فيهم وتجذّر حُبُهم فيها.

وإنّ ذات البلاد لتُقفر وتتوشّح باليأس والذبول ويعمّها الخراب؛ إذا ما استولى على مفاتحها أولئك المستأجرين (ويصحّ المعنى بكسر الجيم وفتحها معاً!) المنتسبين إليها في القشور الظاهرة، والمفارقين لها في اللُبّ والجوهر! الذين نشأوا وترعرعوا وشبّوا -مختارين لا مُرغمين- في بلاد الغرب وعلى أدبياته وثقافته وشعاراته، لا يعرفون عن الوطن سوى الاسم والزيّ واللغة!

لقد رأينا ما فعله المستأجِرين بالبلاد زمن الاحتلال؛ حيث انتعش سوق المخدرات وترويجها بين أبناء الشعب، وتغلغل الفساد الإداري والتعامل بالرشاوى في أركان الدولة، وتقاسم أمراء الحرب السلطة والحكم فيما بينهم حتى أنه كان يترأس الحكومة حينئذ رئيسين اثنين (أشرف غني وعبدالله عبدالله)، ولم يتورّعوا عن فتح أبواب البلاد على مصراعيها أمام المحتلين من كل جنس وملّة لكسب رضا الداعم الغربي وبالتالي زيادة النفوذ الشخصي على حساب مصالح الشعب الأفغاني!

 

وأخوفُ ما يخافه الفاسدون أن تنجح الإمارة الإسلامية في النهوض ببلادها وأن ترتقي بها نحو السعة والرخاء رغم كل ما تواجهه من تحديات، إذ سيكشف ذلك للشعوب حجم فسادهم؛ فإنه إذا أردت أن تكشف الخط الأعوج فضع بجانبه خطاً مستقيماً. والإمارة الإسلامية هنا هي الخط المستقيم الذي يخشون أن يُعرّي، باستقامته، اعوجاجهم!