الحكومة الإسلامية كفيلة بصلاح دنيا الناس

فيصل محمدي

 

أصبح مصطلح (الحكومة الإسلامية) مصطلح لا تستسيغه الأفكار في القرن الأخير لما وقع بين قيادة المسلمين بعد فقد الخلافة الإسلامية وانهيارها في إسطنبول، ولعمليات التشويه التي قام بها أعداء الأمة الإسلامية حيث عرفوا الحكومات الإسلامية بدءا من الأموية إلى العثمانيين بأنها حكومات دموية، مستبدة، استعمارية، وراثية أثقلت كاهل الأمة.

ومن ثمّ أصبح هذا المصطلح يلفه النسيان رغم الحاجة الملحّة إلى روحه. ورغم وجوب إحياء الشريعة الإسلامية في بلاد المسلمين من حيث الشرع، إلا أنه لا يقوم بهذا الواجب أحد، ولا يحرك أحوال الأمة الإسلامية قائد من قاداتها ليشيد هذا الصرح العظيم وهذه الحاجة الدينية والعقلية الملحة أكثر من الطعام والشراب.

أما الإمارة الإسلامية التي قامت على جسر من التضحيات والتفاني فهدفها السامي من هذه الحرب الطويلة بعد خروج القوات المحتلّة إقامة حكومة إسلامية يرتاح في ظلالها الوارفة العباد دينيا ودنيويا، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وأن تكون هذه الحكومة حصنا حصينا للشعب الأفغاني أمام الكفر والشرك، والفقر والعوز والتدخلات الخارجية، وأن تسعى لرفع مستوى المعيشة بعد أن أضعفت الحروب الطاحنة اقتصاد البلاد باستخراج خيرات البلاد من الأحجار الكريمة والمعادن الكبيرة واستثمارها، وأن تحفظ الثغور وتقوم بإشاعة الأمن والاستقرار والعدل بين الناس.

 

إن الحكومة الإسلامية كما تقوم بإصلاح الشؤون الدينية وتحاول أن تنظم الأمور لتنمية الجانب الديني في الناس وتزكيتهم، فهي كذلك تهتم بإصلاح الشؤون الدنيوية والاقتصادية والرفاهية في حياة الناس، كما كان في تاريخ الحكومات الإسلامية السالفة؛ حيث كان يُبحث عن فقير في خلافة أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز فلا يوجد، أو كما في عهد هارون الرشيد الذي كان يوجه خطابا إلى السحاب ويقول: أمطري حيث شئت فخراجك يأتي إلي. ولا أزعم هنا أن الحكومة توجه جميع مواهبها وقدراتها لإقامة الدين بالجبر والقهر وإكراه الناس على الالتزام بالشريعة الغراء، أو أنها حكومة دكتاتورية تستهدف إقامة الدين بالاستبداد والظلم.

ثم إن العلماء ذكروا واجبات على الحكومة الإسلامية في ميدان الاقتصاد والسياسة وما يتعلق بدنيا الناس، مما يميز الحكومة الإسلامية عن الأنظمة الأخرى وتظهر أن هذه الحكومة، رغم محاولاتها في تصحيح العقائد والأعمال، تحاول أن تنظم الأمور وتعين رجالاً أكفاءً ذووا مواهب حقيقية ليقوموا بإصلاح أحوال البلاد الاقتصادية وأن تُشيع العدل والأمن بين الناس ليذهب كل عامل إلى عمله ويعمل بفكر هادئ وبال فارغ ويجتهد في تقدم البلد وترقّيه إلى مستوى البلدن الأخرى.

 

من واجبات الحكومة الإسلامية

۱. إقامة العدل بين الناس: وهو الالتزام التام بالعدل في إدارة شؤون الناس، وعدم الحيدة عنه مطلقا؛ لأنه هو الأساس الذي لا قيام لدولة بدونه ولا بقاء لأمة بفقده.

والعدل يتضمن إعطاء كل إنسان حقه، وعدم ظلمه في شيء. فمن الظلم تكليفه بما لا يجب عليه شرعا، أو أخذ ماله بغير وجه حق، أو منعه ما يستحق.

إن العدل فقيد في الأنظمة المختلفة كما نراه في العالم في عصرنا الراهن، وإنه ضالة في إدارة شؤون البلاد وبين العباد حيث لا يقوم له الكثيرون، لكن الحكومة الإسلامية ترى إقامة العدل في صغير الأمور وكبيرها، من أوجب الواجبات وأهمها، نظرا إلى ما حثت عليه الشريعة الإسلامية وأمر به الله في القرآن وحث عليه الرسول الأعظم وعمل في سبيله.

 

۲. إشاعة الأمن والاستقرار في دار الإسلام حتى يأمن الناس على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، ويتنقلوا في دار الإسلام آمنين مطمئنين. والمسلم لا يستطيع أن يقيم بدينه وأن يعبد الله ويعيش حياة طيبة آمنة يعبد ضمنها ربه ويشتغل بمناسكه الدينية وأعماله الدنيوية إلا باستقرار الأمن في البلاد.

إن هذا المقصود يتحقق بصورة كاملة بتطبيق القانون الإسلامي الجنائي، أي بتطبيق العقوبات الشرعية على العابثين بالأمن، المعتدين على الناس، بشرط أن يكون التطبيق عادلا وعلى الجميع بلا محاباة ولا تردد. فإذا ما طبقت الأحكام الشرعية على المعتدين، أمن الناس وخاف المجرم، وتحقق الأمن.

والناظر في القوانين الجنائية من القصاص وقطع اليد والتعزير، يرى أنها تفيد في إشاعة الأمن أكثر من أي قانون وضعي آخر لعبرة المعتبرين بذلك ورهبتهم منها.

 

۳. تهيئة ما یحتاجه الناس من مختلف الصناعات والحرف والعلوم، وازدهار المصانع واتخاذ قرارات كبيرة لسد حاجة الناس، بناء على الكفاءة الشخصية، والسعي في إيجاد فرص للعمل في مختلف المعامل والمصانع والإدارات، وفي أنواع الفنون التي يحتاج الشعب إليها.

 

٤. استثمار خیرات البلاد بما يحقق للرعية الرفاه الاقتصادي والعيش الكريم.

قال الإمام أبو يوسف رحمه الله: إن على الخليفة أن يأمر بحفر الأنهار، وإجراء الماء فيها، وتحميل بيت المال وحده نفقات ذلك.

ماذكره الإمام أبو يوسف من ضرورة حفر الأنهار على سبيل التمثيل لا الحصر، كما يمكن القياس على ما ذكره الإمام، جميع الأعمال اللازمة لاستغلال ثروات البلاد وخيراتها على وجه يعود بالنفع العميم على الجميع، فهذه يجب القيام بها مثل: إقامة السدود، وتحسين الزراعة، واستخراج المعادن، وإقامة المصانع، وإيجاد سبل العمل الشريف للمواطنين.

ومنها كشف المعادن واستخراجها؛ وهذا من أعظم إنجازات الدول لتنمية الاقتصاد خاصة في قارة آسيا، إذ تزخر الأرض بالمعادن واللآلئ والأحجار الكريمة.

 

٥. الاهتمام بالقوة الصناعية والنهضة بها، لاسيما في مجال التسليحات الحربية، وما تحتاج إليه الدولة من الوسائل سواء في السلم أو الحرب، وما يحتاج إليه الناس في حياتهم اليومية ويغنيهم عن الدول الأخرى. كما ينبغي الاهتمام بالكفاءات الشخصية في هذا المجال وتطويرها ودعمها، حتى يبقى ميدان الصناعة مزدهراً نامياً.

قال الماوردي: ومنها صناعة ما تحتاج للدفاع عن نفسها والرد على اعتداء المعتدين كصناعة الأسلحة، والعمل على تطويرها لترهيب العدة. انتهى كلامه

وهذا من أوجب واجبات الحكومة الإسلامية الآن، ولا ينبغي التكاسل أو التهاون فيه، لامتلاك العدو ما يغزونا به من البر والبحر والجو، ونحن لا نملك ما نرد به عليه.

 

هذا غيض من فيض، وجزء صغير من مهام الحكومة الإسلامية في أمور دنيا الناس وإصلاح شؤونهم وإدارتها إدارة صحيحة تغنيهم عمن سواهم.

 

وأخيرا نسأل الله أن يأتي بحكومة إسلامية تشفي صدور المكلومين وتقر أعين جميع المسلمين.

 

_____________

المصادر: الأحكام السلطانية/الطرق الحكمية في السياسة الشرعية/نظام الحكم في الإسلام/ السياسة والإدارة/ النظريات السياسية الإسلامية.