العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه

أبو سعيد راشد

 

منطقة بوشنج أو فوشنج في هراة، منطقة معروفة في التاريخ، لكنها اليوم مشهورة باسم زندجان، وهي مديرية تابعة لإدارة هراة. وكانت زندجان قرية من قرى بوشنج في السابق. واليوم تعرف جميع المنطقة باسم زندجان، كأن بوشنج تغير إلى اسم قرية منها.

في معجم البلدان لياقوت: الزندجان إحدى قرى بوشنج. الأنساب للسمعاني (6/ 331) حاشية.

قال السمعاني: الفُوشنج (بضم الفاء وفتح الشين المعجمة بعدها نون ساكنة وجيم)، هذه النسبة إلى بوشنك، وهي بلدة قديمة كثيرة الخير على سبعة فراسخ من هراة بخراسان، والنسبة إليها فوشنجي، وبوشنجى – بالفاء والباء المنقوطة بنقطة، وكثر أهل العلم والفضل بها.

وكان عباس بن عبد المطلب رضى الله عنه في الجاهلية قد سافر إليها للتجارة وقال: كنت أقيل تحت شجرة صنوبر بها. الأنساب للسمعاني (10/261).

العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه، وخرج مع قومه إلى بدر، فأسر يومئذ، فادعى أنه مسلم، فالله أعلم.

وليس هو في عداد الطلقاء؛ فإنه كان قد قدم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الفتح؛ ألا تراه أجار أبا سفيان بن حرب.

وله عدة أحاديث، منها: خمسة وثلاثون في (مسند بقي) ، وفي (البخاري، ومسلم) حديث، وفي (البخاري) حديث، وفي (مسلم) ثلاثة أحاديث.

وقدم الشام مع عمر. فعن أسلم مولى عمر: أن عمر لما دنا من الشام، تنحى ومعه غلامه، فعمَد إلى مركب غلامه فركِبه، وعليه فَرْوٌ مقلوب، وحوَّل غلامه على رَحْلِ نفسه.

وإن العباس لبين يديه على فرس عتيق، وكان رجلا جميلا، فجعلت البطارقة يُسلِّمون عليه، فيشير: لست به، وإنه ذاك.

قال الكلبي: كان العباس شريفا، مَهيبا، عاقلا، جميلا، أبيضا، له ضفيرتان، معتدل القامة.

ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين.

قلت: بل كان من أطول الرجال، وأحسنهم صورة، وأبهاهم، وأجهرهم صوتا، مع الحلم الوافر، والسُّؤْدُدِ.

روى: مغيرة، عن أبي رزين، قال: قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صلى الله عليه وسلم؟

قال: هو أكبر، وأنا ولدت قبله.

قال الزبير بن بكار: كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم، وجفنة لجائعهم، ومنظرة لجاهلهم.

(المنظرة: المرقة، وفي تهذيب ابن عساكر 7 / 228: مقطرة، قال في “اللسان”: وهي الفق وهي خشبة فيها خروق كل خرق على قدر سعة الساق يدخل فيها أرجل المحبوسين مشتق من قطار الإبل).

وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب.

ونديمه في الجاهلية أبو سفيان بن حرب.

كان العباس قد أسلم قبل أن يهاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.

عن ابن عباس، قال: أسر العباسَ يومَ بدر أبو اليسر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أسرته؟

قال: لقد أعانني عليه رجل ما رأيتُه قبل ولا بعد، هيئته كذا. قال: لقد أعانك عليه ملك كريم.

ثم قال للعباس: اِفْدِ نفسَك، وابن أخيك عقيلا، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبةَ بن جَحدَم.

فأبى، وقال: إني كنت مسلما قبل ذلك، وإنما استكرهوني.

قال:الله أعلم بشأنك، إن يك ما تدعي حقا، فالله يَجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافدِ نفسك.

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عرف أن العباس أخذ معه عشرين أوقية ذهبا.

فقلت : يا رسول الله، اُحْسُبْها لي من فدائي.

قال: لا، ذاك شيء أعطانا الله منك.

قال: فإنه ليس لي مال!

قال: فأين المال الذي وضعته بمكة عند أم الفضل، وليس معكما أحد غيركما، فقلتَ: إن أصبت في سفري فللفضل كذا، لقُثم كذا، ولعبد الله كذا؟

قال: فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد من الناس غيرها، وإني لأعلم أنك رسول الله.

عن ابن عباس، قال: بعثت قريش إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فداء أسراهم.

ففدى كل قوم أسيرهم، بما تراضوا.

وقال العباس: يا رسول الله، إني كنت مسلما… إلى أن قال: وأنزلت: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم} [الأنفال: 70].

قال: فأعطاني الله مكان العشرين أوقية في الإسلام عشرين عبدا،  كلهم في يده مال يضرب به، مع ما أرجو من مغفرة الله.

قال ابن إسحاق: وكان أكثر الأسارى فداء يوم بدر العباس، افتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب.

وعن ابن عباس، قال: أمسى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأسارى في الوثاق، فبات ساهرا أول الليل. فقيل: يا رسول الله، ما لك لا تنام؟ قال: (سمعت أنين عمي في وثاقه).

فأطلقوه، فسكت، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عن ابن عباس: قيل: يا رسول الله -بعد ما فرغ من بدر- عليك بالعير ليس دونها شيء.

فقال العباس -وهو في وثاقه-: لا يصلح. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم؟

قال: لأن الله وعدك إحدى الطائفتين، فقد أعطاك ما وعدك.

 

بنوه:

الفضل -وهو أكبرهم- وعبد الله البحر، وعبيد الله، وقُثَم -ولم يعقب- وعبد الرحمن -توفي بالشام ولم يعقب- ومعبد -استشهد بإفريقية- وأم حبيب.

وأمهم: أم الفضل لبابة الهلالية.

قال الكلبي: ما رأينا ولَد أم قط أبعدَ قبورا من بني العباس.

ومن أولاد العباس: كثير -وكان فقيها- وتمام -وكان من أشد قريش- وأميمة؛ وأمهم أم ولد، والحارث بن العباس؛ وأمه: حُجَيلة بنت جندب التميمية. فعدتهم عشرة.

 

عن صهيب مولى العباس، قال: رأيت عليا يقبل يد العباس ورجله، ويقول: يا عم، ارض عني. [إسناده حسن، وصهيب لا أعرفه].

وقد كان عمر أراد أن يأخذ له دارا بالثمن، ليدخلها في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فامتنع، حتى تحاكما إلى أبي بن كعب ، والقصة مشهورة، ثم بذلها بلا ثمن.

وورد أن عمر عمَد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس، فقلعه.

فقال له: أشهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الذي وضعه في مكانه.

فأقسم عمر: لتصعدن على ظهري، ولتضعنه موضعه.

وقد عاش ثمانيا وثمانين سنة.

ومات: سنة اثنتين وثلاثين، فصلى عليه عثمان، ودفن بالبقيع.

وعلى قبره اليوم قبة عظيمة من بناء خلفاء آل العباس.

وقال خليفة، وغيره: بل مات سنة أربع وثلاثين.

وقال المدائني: سنة ثلاث وثلاثين. سير أعلام النبلاء (2/78 – 97).