الكرامة سلعة لدى العملاء للبيع!

عماد الدين

 

إبّان الاحتلال البریطاني للهند، قام ضابط بریطاني بلطم رجل هندي دون أي جرم. فقام الرجل الهندي برد فعل عنیف وهو ضرب وجه الضابط البریطاني ضرباً شديداً. حیث سقط الضابط علی الأرض واحمرّ وجهه وانتفخت أوداجه. لكنه كان وحیداً فخاف من رد فعل أمام الرجل الهندي. لذلڬ تحرڬ إلی معسكره الذي كان یقیم فیه، لیصطحب معه كتلة من العساكر ویرجع إلی الرجل الهندي لیأخذ ثأره ویؤدبه علی جرأته علی ضابط بلد لا تغرب الشمس عن ممالكه.

عندما وصل إلی المعسكر، ذهب إلی الجنرال البریطاني وقص له القصة وطلب منه عساكر لیؤدب الرجل الهندي. لكن الجنرال البریطاني دون أن یجیبه أخذ یده وذهب به إلی الغرفة التي كانت تحفظ فیها النقود. وقال له: خذ ۵۰۰۰۰ روبیه واذهب بها إلی الرجل الهندي وأعطها إیاه بعد الاعتذار منه لما فعلت.

كاد الضابط أن یجن بهذا الاقتراح. لذلڬ قال بصوت جهوري: یا حضرة الجنرال! إن هذا الهندي الشقي لطم وجه ضابط ملكة بریطانیا. وهذا یعني إساءة الأدب لامبراطوریة بریطانیا. وأنت تأمرني بالاعتذار وإعطائه ۵۰۰۰۰ روبیة!

فرد الجنرال علی قوله غاضبا: هذا دستور لابد من فعله علی الإطلاق. فأخذ الضابط النقود وذهب بها إلی الرجل الهندي. فاعتذر منه لما جری بینهما وقدم المال إلیه. فقبل الرجل الهندي اعتذاره، وقبل النقود بفرح عجیب، ونسي أنه مُحقّ في لطم وجه المحتلین لبلده.

وكان ۵۰۰۰۰ روبیة مالا كبیرا آن ذاڬ. فخصص الرجل الهندي شیئا من ذلڬ لشراء بیت. واشتری بما بقي عدد من الرقشات واستخدم لها عددا من السائقين لیعملوا له. فمرت الأیام وكان الرجل الهندي یزداد ثروة حتی صار من التجار الكبار في مدینته. نسي الصفعة لتخلیه عن كرامته، لكن الإنجلیز لم ینسوا صفعة الرجل الهندي للضابط.

فطلب الجنرال البریطاني الضابط الملطوم وقال له: هل تذكر الرجل الهندي الذي لطمڬ؟ فأجاب الضابط: نعم وكیف أستطیع نسیانه! فقال الجنرال: قد آن الأوان لتأخذ ثأرڬ منه. لكن ألطمه حین یكون حوله جمع من الناس.

فقال الضابط: بالأمس عندما كان وحیدا ولا یملڬ شیئا، منعتني من الانتقام منه. آلآن وقد ملڬ المال والجلال والمقام والخدم؟! أخاف أن یقتلني خدمه. فطمأنه الجنرال وأمره بفعل ما یقول. تحرڬ الضابط البریطاني إلی بیت الرجل الهندي الذي لطمه عندما كان وحیدا فقیرا والذي صار الیوم من التجار الكبار. عندما دخل الضابط إلى بیته، رآه في جمع كبیر من الناس والخدم. ودون أي مقدمة اقترب من الرجل الهندي ولطمه لطمة مبرحة حیث سقط الرجل الهندي علی الأرض. فقام الضابط منتظرا رد فعل الرجل الهندي. لكنه لم یقم حتی من الأرض، ولم ینظر إلی الضابط البریطاني. الضابط البریطاني قد تحیر من سكوت هذا الرجل الهندي ورجع إلی الجنرال فرحا مسرورا.

قال الجنرال للضابط: أراڬ مسرورا ومتعجبا مما وقع بینڬ وبین الرجل الهندي. أجاب الضابط: نعم، عندما لطمت وجهه في المرة الأولی وكان فقیرا، لطمني لطمة أشد. ولكن الیوم مع خدمه وحشمه لم یجبني حتی بالكلام. هذا ما حیرني جداً. فقال الجنرال: كان الرجل في المرة الأولی یملڬ الكرامة ویعدّها أغلی ثروته، لذلڬ قام بالدفاع عنها. أما في المرة الثانیة فقد باع كرامته بــ۵۰۰۰۰ روبیة، لذلڬ لم یستطع الدفاع عنها، لخوفه من ضیاع منافعه. انتهت القصة.

هذه قصة رائعة جدا. تناولتها وسائل الإعلام الاجتماعي في أفغانستان، خلال السنوات الماضية. وذلڬ لتطابق القصة تماما علی حال القادة الذین رحبوا بالمحتلین وسلموا مفاتیح البلد إلیهم نظير الأموال الباهظة التي تسلموها من المحتلین. والیوم بعد تسلم الأموال، یلطمهم المحتلون ویتلاعبون بهم وهم ساكتین ومطرقین رأسهم ولا يستطيعون الاعتراض لما یرتكبه المحتلون في البلد. وكلما رفع الشعب صوته اعتراضا على ما یجری في البلد من الفحشاء وتطبيق المشاریع العلمانیة، یقول العملاء أسكتوا وإلا فإن الأسد یستیقظ ویقطع عنا مساعداته المالیة.

كم شاهدنا في السنوات الماضیة الانتهاكات المتكررة من جانب المحتلین وتضییع حقوق البشر التي ینادون بها لیل ونهار. أما أشباه القادة في كابل فلم یقوموا برد فعل تجاهها. لأنهم باعوا كرامتهم بثمن بخس دراهم معدودة. بیع الكرامة أخس عمل وأقبح فعل یرتكبه المنافقون وأصحاب النفوس الدنیئة. مع الأسف إنهم یقودون الشعب نحو الدناءة وبیع الضمیر والكرامة. وقد استخدموا لذلڬ الإعلام والتعلیم والثقافة. والعجب كل العجب أن الذین قاموا بالأمس أمام الشیوعیین وجاهدوا في سبیل الله، لما تسلموا دولارات المحتلین، سكتوا عن رد فعل حیال ما یقوم به المحتلون من اللعب بعرضهم ولطمهم بين الفینة والأخرى. والأعجب أن هؤلاء المختبئین وراء مصطلح الجهاد، هم الذين يعارضون تقلیص أمريكا لعدد جنودها في أفغانستان. فحسبنا الله ونعم الوكیل. ولا حول ولاقوه إلا بالله.