بأي جريمة غرقت قندوز في الدماء؟

نويد

 

أردتُ في هذه الأيام أن أكتب حول القضايا المرّة التي تدور في الساحة الفلسطينية، إذ فوجئتُ بحوادث مرّة في كشمير، فأردتُ أن أكتب عن الظلم المقترف بحق إخواني وأخواتي الكشميريين، إذ فوجئتُ بكوارث سورية وأخرى عراقية تفتت القلوب وتفطّر الأكباد، فأردتُ أن أكتب حول العراق ومآسيها إذ رأيتُ فلذات أكباد الأفغان، من حفظة كتاب الله، والعلماء، وطيور البستان المحمدي تناثرت أشلاؤهم في مدرسة دينية بقندوز، فقلتُ يا الله في زحمة هذه المظالم، والمآسي والكوارث، والدموع والدماء، من أين أكتب، وعن أي ألم أتحدّث؟

وعن أي مآقي تسيل منها الدماء لا الدموع أتحدث؟ ومظالم تقشعر منها الجلود عن أيها أكتب وأتكلم؟ عن أنين وصراخ من أتكلم؟

بأي ذنبٍ قصفوا مدرستي؟

ففي المدرسة كان أستاذي يتكلمُ عن الإسلام والقرآن والسنة المحمّدية، فهل شقّ على العدوّ الجبان بأن ينثر على الطيور المحمدية الورود والأزهار بدل أن يقصفهم بنيران حقده وغضبه؟

دمّر الله بيتك يا جبان! هنا أرض المسلمين، هنا مسجد ومدرسة وهؤلاء أطفالٌ أبرياء، بأي ذنبٍ قُتلوا وتضرّجوا بدمائهم؟

إن كارثة قندوز التي راح ضحيتها 150 شهيداً من الأطفال والأبرياء والمدنيين، وصفها العدوّ بأنها خسارة فادحة للمجاهدين! لم يقترف العدو هذه الجريمة في سوريا ولا فلسطين أو في العراق، وإنّما وقعت في البلاد الأفغانية وعلى وجه التحديد في مدينة قندوز.

وقامت القيامة في قندوز، فالدماء سالت كالأنهار، وكان شابّ يردّد كلمة الشهادة والتوحيد وهو واقف أمام أخيه الصغير الذي حفظ كتاب الله عن ظهر قلب ونام إلى الأبد. والأزهار التي قدّمت إليهم وعلقت على صدورهم تكريماً، تلطّخت بدمائهم الزكية، وتضمّخت البُسُط والمحراب بأشلاء العلماء والحفاظ والمخلصين، وهذه المناظر الدامية تعجز الكلمات عن توصيفها، وتقصر العبارات وتتلاشى عن نقل هذه الكارثة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

فهذه الكارثة لم تقع في الغوطة الشرقية، ولا في غزة أو كشمير المحتلة أو بورما المظلومة وإنما وقعت في قندوز التي اكتوت بنار الصليبيين، فالأمّ التي كانت تعدّ الثواني واللحظات لزيارة فلذة كبدها الذي وضعت على رأسه عمامة الشرف وحفظ كتاب الله؛ قامت على جنازته، والأب الذي كان يتمنى بأن يرى ابنه في زي العلماء؛ رأى ابنه في الزي الملطّخ بالدماء، وسيل دموعه ينهمر من مقلتيه.

ثم يأتي أناس ويقولون لماذا تقاتلون الجنود العملاء؟ ويقولون: لماذا يقتل الطالبان هؤلاء الجنود؟

الجنود الذين يقترفون مجازر تشيب لهولها الولدان بإشارة من أسيادهم الأمريكان، ويبدّلون حفلة السرور والبهجة والحبور إلى عزاء ومأساة، ويقتلون الأطفال والشيوخ الذين التفّوا حول علمائهم كالفراشة حول النار؛ ماجزاؤهم؟ أجيبوا أنتم ما جزاء هؤلاء القتلة، أليس فعلهم هذا عداوة مباشرة للمسجد والمدرسة؟

تبّاً لمتشدّقي حقوق الإنسان، أين هم؟ لماذا لا يُدافعون عن حقوق الإنسان في قندوز، لماذا لا ينبسون ببنت شفه حيال هذه المجزرة الرهيبة؟

تبّاً ثم سحقاً لوسائل الإعلام التي تتشدّق بحرّية التعبير، لماذا خرست عندما سالت دماء العلماء وحفظة كتاب الله، والأطفال واليافعين الأبرياء في قندوز، وقصّرت في أداء رسالتها، وبدل أن تنشر الحقائق، قامت بذرّ الرماد على عيون الشعب، وغطّت جرائم الخائنين الفظيعة بتأويلاتها الفاسدة المنحرفة بدل أن تنتقد الحكومة وتؤدي رسالتها.

نشكو إلى الله قلّة حيلتنا فهو السميع المجيب المغيث، ونحن على يقينٍ بأنّ دماء أبرياء قندوز لن تذهب سدىً، وستتبّدل إلى طوفانٍ من الحملات المتكرّرة على هيكل هذه الإدارة النخرة من قبل أبطال الإسلام، وسيمتصّون دماءهم، ويجعلونهم عبرة للآخرين إن شاءالله، والله قادرٌ على ذلك.