(بل سوخته) وحقوق الإنسان

صارم محمود – كابل

 

قامت الإمارة الإسلامية أخيرا، إلى جانب سلسلة من الخدمات الإنسانية، ببذل جهود جماعية من موظّفي عدة وزارات لجمع مدمني المخدّرات وعلاجهم وإنقاذهم من الإدمان والبرد القارص الذي هبّ على أرجاء البلد ليشمل معظم ولاياتها، والذي ندُر مثلُه في السنوات الأخيرة (كما قال الخبراء)، فهذا البرد القاتل الذي يعمل في الجسم عمل السيف في الجسد قد قضى على أرواح مواطنين وأتلف مواشيهم، فبحسب تقرير الهلال الأحمر الأفغاني قد أدّى  إلی وفاة 175 وإصابة 35 شخصا ونفوق 80 ألف رأس من الماشية.

ولا يزال سيفه مصلتا على رقاب الفئة المهمّشة الضعيفة ولا سيما المدمنين الذين لا تؤويهم أرض ولا تقلّهم سماء.

حيث جمعت الإمارة الإسلامية في هذه الحملة المركّزة على هذه الفئة أكثر من (٢٠٠٠) مدمن من الذكور والإناث، والشباب والشيوخ، وصنعت لهم مستشفى خاصّا لتداويهم وتعيد تأهيلهم، وخصّصت لهم ميزانية لتُصرف عليهم وعلى كوادر المستشفى.

كما بادرت الإمارة إلى جانب هذا الإقدام العظيم إلى حماية كثير من المواشي والحيوانات والطيور من زمهرير الشتاء.

واللافت للنظر أنّ كلّ هذه الخدمات الإنسانية التي سبق ذكرها، والتي هي غيض من فيض الخدمات التي تؤديها الإمارة الإسلامية صباح مساء، تأتي في وقت لم تكمل فيه الإمارة الإسلامية ربيعها الثاني من حياة حكمها رسميا للبلاد، ولم ترفع عنها الضغوط الاقتصادية، ولم يفكّ عنها الحصار السياسي الجائر، ولم تطلق نقودها المجمّدة في البنوك، وغيرها من الضغوط السياسية والاقتصادية الأخرى التي كانت سبباً في تأخير الإقدام على هذه الخطوة الفريدة العزيزة. لكنّ الإمارة الإسلامية كالأب الشفوق على أبنائه، والمربي الحنون، والحكومة الصادقة والوفية التي لا تصبر على آلام أبنائها المصابين بهذا المرض الفاتك في هذا الزمهرير الشديد.

 

والقضية التي ظلّت في هذا الحشر الكبير أكثر لفْتا للانتباه والتي تجلّى فيها حنان الإمارة الإسلامية ورحمتها، وفاض بها دموع النّاس مسرّة ورضى؛ كانت قضية “(بل سوخته)” الواقعة في الناحية الخامسة؛

(بل سوخته)؛ جسر كبير على بحيرة كابل يأوي إليه المدمنون ويبيتون تحته، ويستهلكون المخدّرات فيه، وقد مات كثير منهم تحت هذا الجسر ودفن فيه، فهناك قبور جماعية لأولئك الشباب وعلى كل شبر منه رفات وعظام لشاب أو لشيخ ساقته المنية إلى هذا المصرع في القرن الحادي والعشرين، والذي مرّ به أدعياء حقوق البشر؛ بل صنعوه بأيديهم وتاجروا باسمهم، دون أنّ يحرّكوا ساكنا.

(بل سوخته) مأساة يعرفها النّاس دون إبهام، فهو حكاية آلام وأوجاع سنين لا تقل كارثية عن قلعة جنجي ودشت ليلي التي قتلوا فيهما مئات من المجاهدين بالرصاص وثقبوا رؤوسهم في هذَين المصرَعين فنالوا الشهادة ورضى الله ورضوانه؛ ولكن هؤلاء القتلى قد ماتوا دون أن يراق منهم دم، قتلوا دون جراح، أذِلّوا دون شفقة فلا يراهم الرائي إلا ويرثي لهم ويترحّم على حالهم.

وهنا سوال يطرح نفسه بشدة؛ من الذي جرّ هذه الويلات على شبابنا سنين طوالاً؟ من الذي أشرع الأبواب لبيع المخدّرات والخمور على مصراعيها؟ ومن حرّض الناس على شرب الخمور ومحافل الفجور؟ هل كانت تخلو ثكنة أو قاعدة من أنواع الحشيش والمخدّرات؟ وهل كان هناك قائد أو جنرال لم يكن ملوّثا بالإدمان إلا القليل النادر؟

 

ألم يرَ أولئك الذين يدندنون حول حقوق البشر وحقوق المرأة؛ مأساة (بل سوخته) طيلة السنوات الماضية؟ ألم يروا هناك “الإنسان” الذي كان يلفظ آخر أنفاسه؟ أم يروا هناك الفتيات والنساء المدمنات، والأطفال الذين ضاعوا بين أيدي آبائهم وأمهاتهم المدمنين؟ أليس هؤلاء ببشر؟ إذاً فأين حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الإنسان؟

إنّ الإمارة الإسلامية، رغم اتهامها -ظلماً وزوراً- من قبل المنظمات الحقوقية المزعومة بهضم حقوق المرأة وحقوق البشر؛ أثبتت عملياً بأنّها هي الحكومة الحنونة المشقفة التي يهمّها همّ البشر، وتقلقها مشاكل شعبها.