عودة سعيدة للطفل المختطف إلى أحضان ذويه

غلام الله الهلمندي

 

بين ركام الأخبار المحزنة في هذه الأيام من التفجيرات المجنونة العشوائية، والتي تستهدف المدنيين الأبرياء بالأساس، بهدف إرعاب الناس والإخلال بالأمن العام الذي حققته الإمارة الإسلامية في وقت قياسي، وتشويه سمعة الإمارة الإسلامية في مقدرتها على إرساء الأمن والسلام، والتقليل من شأن إدارتها للبلاد؛ بين ركام من مثل هذه الأخبار، وقع نظري فجأة على خبر سارٍّ عذب أعاد إلى الشفاه الذابلة البسمةَ، وإلى العيون التي غزاها اليأسُ الأملَ واللمعانَ، خبر يزفّ بشرى للشعب الأفغاني المكلوم بأسره.

عاد الطفل المختطف (عبد الرؤوف) البالغ من العمر تسع سنوات إلى أحضان أسرته الدافئة، عاد بعد انتظار استمر ما يقرب العامين. عامان من حزن أسرة الطفل وذويه على اختطافه، ثم أمل وسرور وبهجة بعودته سالماً إليهم. سلّمته الإمارة الإسلامية سالما إلى أسرته في حفل خاص حضره عدد كبير من قادتها وعلى رأسهم نائب رئيس الوزراء، المولوي عبد السلام حنفي.

لما وقعت عين الطفل على أبيه هرول إليه في حالة عاطفية نادرة، وارتمى بين ذراعيه، ألقى بنفسه حيث الأمن والاستقرار والطمأنية، حيث يحظى بالحنان والهدوء والسكينة، ما أعذب عناق الأب! وما أطيب الارتماء في أحضان الأب بعد فراق طويل مرير.

الأب بالنسبة للولد شاطئ الأمان الذي يلتجئ إليه عند كل أزمة يمر بها في حياته. موقف مؤثر للغاية، إي وربي، مشهد لا يُنسى، سيبقى في ذاكرة هذا الشعب، يلتقي طفل مختطَف معذَّب بأهله بعد فراق دام سنتين، لحظة عاطفية عجيبة لا يستطيع القلم وصفها. لم أستطع أن أتمالك دموعي عندها، أجهشت بالبكاء. وهل يستطيع أحد أن يتمالك دموعه في موقف كهذا؟

 

قبل ما يقرب من سنتين من هذا اليوم السعيد الجميل، وقعت حادثة اختطاف الطفل (عبدالرؤوف)، يوم كانت البلاد في قبضة المحتلين والإدارة العميلة، حيث اختطِف الطفلُ عبد الرؤوف وهو في طريقه إلى مدرسته، في عاصمة ولاية بلخ، على يد مجموعة مجهولة (أو معلومة ربما) ترتدي ملابس عسكرية من الخاطفين الأقوياء التابعين (على ما يبدو) للإدارة السابقة. طالب الخاطفون أسرة عبد الرؤوف بدفع فدية مالية ضخمة قدرها مليونان ومئتا ألف دولار. وكانوا بين الحين والآخر ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة يعذّبون فيها الطفل، وهو عار جرد من ملابسه، يبكي ويصرخ، ويستغيث، ويداه ورجلاه مكبلة بالسلاسل والقيود.

 

وقام سكان بلخ بتظاهرات واسعة واحتجات لمدة أشهر دعما لقضيته، تحولت الحادثة بفضل التظاهرات واهتمام وسائل الإعلام إلى قضية رأي عام في البلاد، قام الناس وقعدوا، ولكن من دون جدوى، لم تستطع الإدارة العميلة إعادة الطفل إلى أحضان أسرته، أو لم يشاءوا ذلك؛ لأن الخاطفين لم يكونوا غرباء، وإنما كانوا رجالا متنفذين في الإدارة.

 

إن اختطاف الأطفال مع الأسف لم يكن ظاهرة غريبة آنذاك، وإنما كان كابوسا اجتماعيا مزعجا في الإدارة السابقة، كابوسا يرعب المجتمع الأفغاني، ويلاحق كل أب وكل أم. والأطفال الأبرياء في عمر الزهور كانوا بختطفون ويختفون لأشهر أو لسنوات، أو للأبد في بعض الأحيان. وهذه الجريمة -أعني اختطاف الأطفال- من أشنع وأبشع الجرائم التي يرتكبها المجرم، باعتبارها جريمة ترتكب بحق طفل عاجز لا يستطيع الدفاع عن نفسه.

 

كان عبد الرؤوف مختطفاً مَنسياً (بالعمد) بالنسبة للإدارة السابقة، ولكن الإمارة الإسلامية واصلت الليل بالنهار بحثا عنه، إلى أن نجحت في إنقاذه من قبضة الخاطفين. وضحّت في هذا السبيل بجندي من جنودها، رحمه الله وغفر له وتقبله في الشهداء. وهذا إنجاز إيجابي يستحق كل الاهتمام، وخطوة نحو أمن أوسع وسلام أكبر، بإذن الله.

 

وبهذه المناسبة أقدّم أجمل التهاني والتبريكات لأهل عبد الرؤوف وذويه، وللإمارة الإسلامية التي هي رحمة للشعب الأفغاني المقهور. سلمت أيديكم يا أبناء الإمارة على هذا الإنجاز الذي زرعتم به الابتسامة على محيّا الناس، وأقررتم به أعينهم، (لله دركم) أدمعتم أعين الناس فرحاً لا حزناً ولا خوفاً، وأدخلتم السرور والأمل في كل قلب جريح.