ذكريات حلوة وانطباعات عن أبطال فراه

صارم محمود

 

لقد استطاعت بعض الولايات الأفغانية بأن تتألق أكثر من شقيقاتها في سماء الجهاد وتمكنت بسواعد أبطالها وجهودها المتواصلة التي لا تعرف الوقفة والتريّث أن تطير النوم من جفون الأعداء وبالتالي أن تکسب المعرکة منه في كل جولة كما استطاعت أن تحرر المناطق المحتلة من لوثه وتوقع الخسائر في صفوفهم ماليا وروحيا فجهود أبطال هذه الولايات الأباة مباركة تستحق الثناء والإشادة.

فمن هذه الولايات التي باتت تشرق وتتألق أكثرمن أخواتها هي ولاية فراه حيث استطاعت في الآونة الأخيرة أن تسبق شقيقاتها في المغامرة والفتوحات، فتمكنت بسرعة فائقة أن تُحرر البقية الباقية من أراضيها المحتلة من لوث الاحتلال، ونجحت بأن تحرز قصب السبق، وبسرعة البرق لتحكم قبضتها على مركز الولاية وتبسط سيطرتها عليها بأسرها غير مرة في ضمن سلسلة من حملات تكتيكة واسعة بغاية الدقة والحيطة حتى تمكن أبطالها أخيرًا ليفتحوا الولاية بجميع أجهزتها في مدة لا تنيف عن يوم دون أن يسقط منهم شهيد اللهم إلا بطلان وقد قتل أحدهم غدرًا وغيلة وهو الحافظ إحساس ابن أخ الشهيد المولوي خالد رفع الله درجاتهما وسأذكر قصة استشهاده وإستشهاد البطل المولوي خالد في الحلقات الآتية إن شاء الله.

وذلك الفتح المترامي الأطراف خلال يوم وليلة يعد إنجازا كبيرا لأبطال الإمارة الإسلامية ومشهداً رائعاً تبرز فيه مدى قوتهم ونظامهم واتحادهم في تسيير الجيوش وتظهر إرادتهم الحديدية بأنهم حينما أرادوا السيطرة على مكان بأمر من فوقهم فلا يتصدى لهم أحد ولا يقف أمامهم واقف.

ولذلك أصبحت فراه ومغامرة أبطالها المعادة المتكررة لاسيما في تلك الأشهر المنصرمة جاثمة على صدر الأخبار الساخنة وأصبحت قضاياهم وفتوحاتهم طغراسا على فهرس الغارات الهجومية التي تشنها المجاهدون على قواعد العدو وثكناتهم حينا لآخر كما باتت إنجازاتهم العسكرية الكبيرة وكسبهم المعركة وتكبيدهم العدو العميل الخسائر في الأرواح والممتلكات خبر الضامر وحديث الركبان.

وقد شرّفنا الله بجولة جهادية إلى أرض النزال ومكرّ الأبطال وقضى بأن نشهد تلك القضايا الجسام عن كثب وقدر بأن نلمس بكلتي يدينا ما تدور في ساحة فراه من الأحداث والوقائع المصيرية الضخمة و شاء بأن نرى بأم أعيننا عوامل جنت لهم الإنتصار في كل معركة وأخيرا رافقنا التوفيق بأن نخوض غمار عدة معارك حامية الوطيس بجنب الليث المغوار المجاهد زيد والأمير المقدام المولوي خالد الشهيد نحسبه كذلك والله حسيبه.

لقد وصلنا إلى مديرية (بشت رود) يوم الجمعة العاشر من شهر شعبان بمقر المولوي خالد رفع الله درجاته بعدما نفدت كنانة صبرنا وتجاوزنا بشق النفس حواجز الطغام.

فلقينا -عند وصولنا إلى المقر- حفاوة حارة وترحاب بالغ من قبل المجاهدين ما أزال عنا تعبنا.

فكنا لا نتسلط على التكلم بالبشتو كما أنهم أيضا لا يعلمون البلوشية إلا قليل منا وقليل منهم فاضطررنا بأن ننبس ببنت شفة مع كلفة وأن نتعارف بعضنا البعض.

فكان إخواني المجاهدون رغم أنهم لا يعلمون البلوشية كاملا مع ذلك قد فتحوا أبواب المحبة والمودة علينا على مصراعيها ليخففوا عنا عبء الهجرة ويهونوا عنا وتيرة وطأة الغربة التي رانت على صدورنا يا ليتك كنت تراه بلوشيهم وتكلفة في التكلف لأجلنا. فرأينا أنفسنا وتصرفاتنا وأخلاقنا لقد كانت بيننا وبين ما وجدنا منهم بونا شاسعا وفجوة متسعة.

وقد كنا سمعنا عن أبطال فراه وأخلاقهم وبساطتهم وتواضعهم وتوقيرهم المهاجرين و حشت الأذن من بطولاتهم ومغامراتهم وشجاعتهم وعن إيثارهم وإبائهم وعن حنكتهم العسكرية وتجاربهم الميدانية لا سيما عن البطل زيد وعن الشيخ الشهيد المولوي خالد رحمه الله ولكن ليس الخبر كالمعاينة فعايشنا ذلك الثلة من أخيار الأمة حينا من الدهر فوجدنا فيهم ما قرأناه في الكتب من العجائب ووجدنا التواضع والتوكل حقيقتان ماثلتان أمام العين ولمسنا التوحيد الألوهي واقعا يسعى على قدميه، وتعلمنا عمليا معنى الشجاعة والحمية الدينية ورأينا الإيثار في زمن الشح والبخل قد بلغ بينهم ذروته، ووجدنا حب الشهادة وتفاني في سبيل المبادئ وتحرير الأرض وخلاص العباد من جور النظام العميل متغلغلا في أحشاء صغيرهم وكبيرهم حتى وقد وجدناهم يتطالبون بعضهم البعض دعاء ليرزقهم الله الشهادة قبل الإنطلاق إلى الخط الأول وكان من المعهود عندهم بأن يردوا جزاء الإحسان دعاءً لك للشهادة.

حتى وفي بعض المعارك قد وجدنا أغلمة يافعين ما نبتت على خدهم الشعرة بعد!

 

أول معركة عصابية خضنا غمارها:

لقد وفقنا بأن نشن حملة عصابية على قاعدة من العدو بعدما أعدنا العدة وأخذنا معنا طلقتين من طلقات هاون لنجلس في البداية على الشارع العام راصدين دبابات العدو لنفجرها عليهم وكان يبدو هذا العمل بالنسبة إلي محالا لأني ما مارست عمليات صعبة التنفيذ كهذه قط.

فما كان معنا من الأسلحة الثقيلة ولا الخفيفة ولا الطلقات ما نتمكن بها من المقاومة أمام الدبابات التي بين سمع العدو وبصرهم وبالتالي بقرب منهم فتعجت جدا كيف يمارسون هذه العمليات _وبعد مضي بضع أيام صارت هذه الأعمال مألوفة لدينا بيد أن رأينا مغامرات أبدع وأخطر من هذا_حتى أجمع المجاهدون بعدم تفجير الطلقات واعتزموا ليشنوا حملة عصابية بسلاح جي 3 مع منظار الليلية على قاعدة مشهورة تسمى_غندي_ فصبرنا حتى أسدل الليل سجوفه واقتربنا إلى القاعدة لكن منظار اليلية كان  لا يوافقنا فاضطررنا بأن نبدل المكان وأن نرصد على الممر العام فجلسنا على الشارع العام والسيارات.

فجلسنا على الشارع العام والسيارات كانت تمر من بيننا واقترب الإخوان الثلاث الذين كان مع أحدهما سلاح جي 3 ومع الأخران كلاشينكوف وما كان معنا إلا طلقات هاون فأمرنا بأن نبتعد من ساحة الحرب لأنه تشتد أوار الحرب ويتكثف إطلاق الرصاص فاختبأنا خلف جدار تبعد عنهم خمسين أو ستين مترا منتظرين إطلاق الإخوان النار، فبعد نصف ساعة دوت صدى الرصاص في الأفق وكشفت الحرب عن ساقها وكانت الرصاص وكانت القنابل وكانت طلقات المدافع.

فحمي وطيس المعركة وتهطلت الرصاص تهطل الغيث الغزير وأضاءت من مضاء الرصاص والقنابل ظلمة الليل المطبقة فكانت القنابل تتساقط بمقربة منا بصوت تصم الأذن فأمطرت الرصاص بغزارة وظننت أن أخواني كلهم قضوا نحبهم في كثافة القنابل وتحت مطر الرصاص فلم تلبث كثيرا حتى وقرع سمعي نشيد عذب يردده الإخوان الأبطال قد خرجوا من المعركة مظفرين منصورين شامخي الأنف وعزيزي الرأس ينشدون أناشيد حماسية ويرددون اسم أمير المؤمنين فقضى مني العجب من شجاعتهم بعدما غامروا أي مغامرة.

(يتبع…)