رثاء الشيخ بشير بن حسن حفظه الله لشهداء قندوز وفضح لعملاء الامة

يقول تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿۱۶۹﴾ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿۱۷۰﴾.

والله إنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليحزن، وما نقول إلا ما يرضي ربنا عزوجل إنا لله وإنا إليه راجعون.

نعم؛ هذه الفاجعة المتمثلة في هذه المجزرة التي حصلت في محافظة قندوز الأفغانية، شمالي الشرقي للبلاد الأفغانية المسلمة، غارة بربرية إرهابية وحشية طالت حفلاً لتخرّج حفّاظ كتاب الله، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، غارة أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 170 حافظ للقرآن الكريم والبخاري، الذين كانو في سنّ الورود، اختلطت دماؤهم بمصاحفهم وألواحهم وشهاداتهم وبعمائمهم البيضاء، ارتكبتها تلك الدولة التي تدّعي الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، ارتكبتها منذ ساعات لتترك خلفها أشلاء ممزّقة، ودماء مبعثرة، وأجساماً طاهرة متناثرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ماذا عسانا أن نقول إلا أن نحتسبهم عند الله جل وعلا من الشهداء، إنها والله لمصيبة عظيمة حلّت بهذه الأمّة ذكّرتنا بشهداء بئر معونة، أتعرفون من هم شهداء بئر معونة يا مسلمون! إنّهم حفّاظ للقرآن، إنهم سبعون قارئاً من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم، أرسلهم دعاةً إلى الله، فغدرت بهم ثلاث قبائل من العرب وهي: ذكوان، ورعل وعصيّة، أجهزوا عليهم فقتلوهم، فحزن النّبي صلى الله عليه وسلم عليهم حزناً شديداً، وظلّ يدعو شهراً كاملاً على هذه القبائل العربية، يقنُتُ في الصلوات كلها، يدعو على هؤلاء المجرمين، الذين فتكوا بحفظة القرآن الكريم، إنا لله وإنا إليه راجعون.

رأيتم إننا في أيام السكوت، إننا في أيام النذالة، إننا في الأيام الوحشية والبربرية مهما ادّعوا ومهما رفعوا من شعارات براقة ورنّانة، لا والله يبقون المجرمين الأوائل في هذا العالم البشري.

ما ذنب هؤلاء؟ كانوا من المدنيين ولم يكونوا من العسكريين ولا المقاتلين أصلاً، لكنّ تفكيرهم من نوع آخر بالنسبة لهؤلاء قتل حفظة القرآن وحملة السنة إنّما هو إجهاز على مشاريع إرهابية في المستقبل؛ لأنّهم يعتبرون مدارس التحفيظ هي أوكار تفرّق الإرهاب. ألم يصرّح مسؤولهم بذلك؟

ولماذا نلوم هؤلاء وعندنا من الطغاة وأذنابهم وأذيالهم وأحذيتهم من يموّلهم بأموالنا، فبأموالنا نقتل، وبأموالنا تُسفك دماؤنا وتزهق أرواحنا ويقتل حفّاظنا، والله ما قُتل أولئك إلا بأموال المسلمين وإلا بتحالفهم مع بعض طغاة المسلمين.

والله لو قصفت هذه الطائرات مجموعة من الحيوانات في أفريقيا، لقامت الإنسانية كلها بالتنديد، ولأصدرت البيانات، ولتحرّكت الأمم المتحدة، ومجلس الأمن وكل هؤلاء وهذه الهيئات الدولية، لكن عندما يتعلق الأمر بدماء أهل الإسلام، عندما يتعلق الأمر بالضعفاء من هذه الأمة، فحينئذ تكون دماؤهم رخيصة سفكها وإهراقها كإهراق قلال المال أمر عادي جداً .

إنها والله خسارة كبرى! والله إنها فاجعة عظمى أن ترزأ الأمة وأن تفقد 170 حافظٍ لكتاب الله؛ لأنّ تحفيظ إنسانٍ القرآن كاملاً مشروع ويحتاج إلى جهد، ناهيك عمّن مات من أهل العلم ومن أهل الفضل في هذا المجمّع وهذا الاحتفال، الذي لم يكن له علاقة لا بعملٍ عسكري ولا بعمل إرهابي وإنما هو في إطار التثقيف والتنوير والتعليم، لكنّ هؤلاء هم أعداء، أعداء العلم، وأعداء الفضيلة، وأعداء للقرآن وأعداءٌ للطهر وأعداء للسنة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، هذا هو الحق 760 مليار دولار الصفقة الأخيرة هذا جزء وثمرة من ثمرات هذه الصفقة، لا نستطيع أن نقلب الحقيقة أو ندلس، الكل شركاء في هذه الجريمة.

نسأل الله تعالى أن يتقبل هؤلاء الضحايا عنده في الشهداء، وأن يأجرنا في مصيبتنا هذه، وأن يخلف لنا خيرا منها يا رب العالمين، اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، اللهم إننا ضعفاء فقوّنا، اللهم إننا مظلومون فانتصر لنا، اللهم تقبّل هؤلاء الأطفال عندك في دعاميس الجنة وشهدائها يا رب العالمين، اللهم اجبُر قلوب أمهاتهم الثكالى، وقلوب آبائهم، وقلوب مدرّسيهم، وقلوب الأمّة أجمعين، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها، اللهم عليك بهؤلاء القتلة والمجرمين، اللهم عليك بهم أجمعين، اللهم شرّد شملهم، اللهم شتّت شملهم، اللهم مزّق جمعهم، وأوهن كيدهم، وأبد خضراءهم، ونكّص أعلامهم، اللهم عليك بهم ومن عاونهم ومالئهم وتحالف معهم، وباع منهم وباع عنهم، يا قوي يا عزيز، يا من لا يهزم جنده، ولا يُخلف وعده، سبحانك وبحمدك إنا لله وإنا إليه راجعون.

إنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليحزن، وإنا لفراق هؤلاء  الصغار حفظة كتاب الله لمحزنون، وما نقول إلا ما يرضي ربنا، وصلى الله وسلم على عبده وبارك على عبد الله ورسوله نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.