شهداؤنا الأبطال: لمحة قصيرة من حياة ونضال الشهيد توحيد الله سليمان “منصوري” تقبله الله

قبل تحرير أفغانستان، كانت أمواج الثورة العارمة تهز البلاد هزاً، استشهد خلالها كثير من الشباب في زهرة أعمارهم؛ فداءً ونصرة للدين، مقبلين غير مدبرين، وفي ذلك كانوا يتنافسون، وإلى لقاء ربهم يتاسبقون.

لم يكن السير في هذا الطريق -طريق الجهاد- أمرًا سهلا ميسورًا كما يتوقعه البعض؛ لأنّ هذا الطريق محفوف بالمخاطر والمتاعب والابتلاءات الشديدة. الصابر فيه كالقابض على الجمر، ليس في وسع أي أحد أن يتحمّل أعباء هذا السفر، ولكن سلوكه سهل لكل من رُزق بالعقيدة القوية والإيمان الراسخ بالله عزوجل وبالصبر.

وكانت هجمات المجاهدين الضارية قد قصمت ظهر العدو الوحشي وجعلته في حيرة وذهول من شدة ما يواجهه من الضربات القاسية والهزيمة الساحقة وصنوف الموت الجديدة حيثما يتوجه. حينها كان الشباب يتسابقون إلى جنات الخلد ورحمة الله الواسعة بتقديم نفوسهم نصرة للدين ولإقامة نظام إسلامي خالص على ثرى الأفغان ولطرد المحتل وعملائه الأفغان.

لقد كانت ضربات هؤلاء الشباب قاضیة مثل سيف سيدنا علي رضي الله عنه. ومن أحد هؤلاء الشجعان الشهيد توحيد الله سليمان “المنصوري” تقبله الله، وهو نجل القائد عبد الغفور. ولد الشهید عام 1374هـ.ش في قرية كاشور شمتي مركز ولاية لغمان شرق أفغانستان.

كان الشهيد سليمان المنصوري -تقبله الله- يتمنى الشهادة في ميدان الجهاد ويطلبها بقلب صادق، وكانت الشهادة غاية أمنياته. انتظر سنواتٍ وسنوات لنيل أمنيته، ولكن قدّر الله وماشاء فعل.

فمضت الأيام والسنون ولكنه لم ينل بغيته. عاش الحياة في انتظار الشهادة وعلى أمل فكاك الأسرى وإعادتهم إلى بيوتهم وبين أهلهم، لكي تقرّ أعين أمهاتهم المكلومات برؤية فلذات أكبادهن، ولیُرفع الظلم عنهم ويُكسر قيد الذل والهوان إلى الأبد. وبفضل إيفائهم بما عاهدوا الله عليه؛ نال الوطن الاستقلال والحرية، وعُطّر بروائح الانتصار، وحظي بنظام إسلامي خالص، وطُرد المحتل، وتنفس الشعب الصعداء باستتاب الأمن وإعادة الاستقرار.

الشهيد سليمان منصوري -تقبله الله- لم يتخلف يومًا عن ميدان النضال والقتال، نذر نفسه وحياته لإقامة النظام الإسلامي وتمكینه والدفاع عنه. وكان يقضي جزءاً من وقته في مراكز التدريب. وكان شجاعا وشهما وصادقا في القيادة. وقد أخرجه الله سالما غانما غير مرة من مداهمات العدو وهجماته الشديدة وقصفه الوحشي.

وبعد سنوات من الانتظار، ذهب إلى هضاب ولاية كونر غازياً لملاحقة واصطياد الدواعش الخوارج، ظناً منه أن الوقت قد حان ليصل إلى مرامه بنيل الشهادة، وكان غاية مشاركته في هذا الاصطياد هي مرضاة الله ورضوانه وخلاص الأمة الإسلامية من شر الدواعش الخوارج، والوفاء بما عاهد الله عليه جلا في علاه، والتضحية بنفسه في طريق استعادة النظام الإسلامي المقدس، ولكن لم يتحقق له مرامه في هذه المعارك.

وحقق الله له أمنياته الأخرى؛ فأزال شر جيل البغدادي، وطهر الأرض الطيبة منهم، وطبّق الشريعة الإسلامية على أرض الله، وقتل عددا كبيرا من الخوارج في ولاية كونر شرق أفغانستان.

وفي عام 1399هـ.ش من شهر رمضان المبارك التحم مع قافلة كبيرة من العدو المتغطرس في قرية كونجك بمديرية عليشنغ التابعة لولاية لغمان. في هذه المعركة الحاسمة تمكن سليمان وزملاؤه من إعطاب 24 دبابة، وقتل أكثر من 100 جندي برتب مختلفة ما بين ضباط وجنرالات.

وحينما كان المجاهدون على مشارف الانتصار؛ ارتقى سليمان مع زميلين شجاعين آخرين إلى جنان الخلد شهداء -بإذن الله- في غارة لطائرة بدون طيار أمريكية. إنا لله وإنا إليه راجعون. نحسبهم عند الله شهداء والله حسيبهم.