مميزات تفرّدت بها إمارة أفغانستان الإسلامية

صادق رحمتى

 

لعل إمارة أفغانستان الإسلامية هي أول دولة في المنطقة والعالم، جاءت بتحول كبير على أرض أفغانستان في مختلف الصعد، وأظهرت مهارتها وبراعتها في الحكم. وشهدت أفغانستان بجهودها نتائج إيجابية للغاية في مدة قصيرة؛ من استتباب الأمن وإرساء السلام، والقضاء على الهرج والمرج، وإحداث إجراءات حازمة في الإدارة، واتباع ممارسات حكيمة في الاقتصاد، وتبني سياسة تقريب الشعب وتوحيدهم على اختلاف منابتهم الفكرية والثقافية وتجميعهم تحت راية واحدة، وهو أمر غير مسبوق في البلاد، نظرًا لحجم المشكلات الموروثة وعدم وجود مقوّمات محكمة لحلها.

جاءت بهذا وأكثر من هذا في حين أنها لا تزال تعاني تضییقات عديدة؛ من وطأة الحصار القاتم المحيط بها سياسيًا واقتصاديًا، والذي فُرض عليها من أول يوم حررت فيه البلاد وتولّت فيه مقاليد الحكم، وقلة ذات اليد التي ورثتها من الأحداث الماضية ومن الحكومة العميلة، وعدم الاعتراف الدولي بها؛ إذ زاد من تأزم الوضع في البلاد، وتحديات أخرى لا تعد ولا تحصى. وأعجب من هذا كله أنها أنجزت كل ذلك على أيدي فئة قليلة مخلصة، دون جعجعات.

لقد خرقت العادة، وتحدّت جميع الحكومات الموجودة على مختلف أنواعها وألوانها؛ حيث أتت بصبغة للحكم جديدة فریدة في نوعها، ناجحة غير مسبوقة في تاريخنا المعاصر. أتت بدولة تميّزت عن غيرها بالتنظيم والإدارة، غير مُثقلة بالمعاملات المضنية والبروتوكولات المرهقة كما هو المعتاد في معظم الحكومات في زماننا، حیث تجد فيها مناصب معطّلة وخالية من الدور الحقيقي في حل قضايا الرعية، وربما كان يشغلها رجال يحملون ألقابا ومسمّيات ضخمة مزخرفة دون أن يكون لوجودهم مردود حقيقي، والأسوأ أن لهذه المناصب ميزانيات هائلة تستهلك الخزانة وتكسر ظهر الشعب!

ولكن الإمارة الإسلامية حققت ما حققت من إنجازات دون أن يكون لها مجلس نواب ومجلس شيوخ حيث تدار السلطة على الأحزاب والأفكار التي تجمع أصحابها المنافع الحزبية والشخصية، وتُقام الحفلات والبهرجة على حساب الشعب المسكين دون طائلة أو فائدة.

 

الإمارة الإسلامية هي الدولة الوحيدة في العالم على الرغم من قلة ثرواتها بمعنى الكلمة، إلا أنها أنجزت خدمات واسعة باعتراف الجميع، وتشق طريقها إلى الأمام متطلعة إلى آفاق سعيدة لشعبها، والمناصب فيها حقيقية مبنية على ما تقتضيه الأحوال والأهداف، وعلى ما فيه نفع لأفغانستان وما يضمن استقلالها واستقرارها، ولیست مناصب فخریة وخيالية.

وهي دولة عمل وأمل، والمهم فيها أوّلًا وآخرًا تقديم الخدمات وإزالة العوائق وتوفير الظروف لحياة كريمة للشعب الأبي في إطار عقيدته الإسلامية التي نشأ عليها كابرًا عن كابر، وأبًا عن جدٍّ. والمسؤلون فيها يتمتّعون بوحدة فكرية ورؤية مشتركة لمستقبل البلاد، ويعتبرون ذلك عصرًا جديدًا من الجهاد لبناء دولة إسلامية قوية، ووضعوا كل ثقلهم لمعالجة الآثار والتداعيات المرتبطة باللجوء والإرهاب وتهريب المخدرات.

 

مميزات تفرّدت بها الإمارة الإسلامية في تحقيق العديد من الإنجازات برغم وجود العوائق

أولاً: وجود مسؤولين مخلصين همّهم الوحيد هو الخدمة، وبسط العدالة، والقضاء على الظلم والفوضى، وتأسيس بيئة مناسبة لحياة كريمة. وهذه الميزة الأبرز لحكومة إمارة أفغانستان الإسلامية، وهي عمادها الأول، ورمز بقائها. فإنه بصلاح المسؤولين تصلح الحكومة وتبقى وتدوم، وإذا فسد المسؤولون فسدت الحكومة وانهارت وسقطت وحبطت الأعمال والآمال، وما الحكومة السابقة عنا ببعيد.

 

ثانياً: النظام الذي يُطبق على الجميع؛ بدءاً من رأس الحكم ووصولاً إلى آخر لَبِنَة فيه، بما فيه من رجال السياسة والإدارة والاقتصاد ورجال الجيش والأمن. وهو أمر يشهد به المساند والمعاند الإمارة. وبالطبع إذا سرى النظام على الرؤساء؛ فسيسري إلى عامة الناس لا محالة، فهم يقتدون ويتأسّون، فالناس على دين ملوكهم، والمريد يتبع المراد.

 

ثالثاً: اقتلاع جذور الفساد التي عانى الشعب منها طويلاً وخيّبت آماله في المستقبل وألجأت المستثمرين والأثرياء إلى الابتعاد عن ساحة الاقتصاد الأفغاني إلى ساحات أجنبية آمنة للاستثمار، حيث كان الفساد -أيام الحكومة العميلة- قد سرى في البلاد سريان الماء في عروق الشجر والكهرباء في الأسلاك، وقد شمل الفساد كل أفراد الحكومة واستحوذ على الإدارات والمؤسسات؛ ما جعل آحاد الشعب يقتفون أثرهم ويحذون حذوهم.

 

رابعاً: الاهتمام بما يعود بالنفع العام على الجميع، وليس بما فيه نفع لبعض الأفراد أو الأفكار أو التيارات، فأولوية حكومة الإمارة الإسلامية هي خدمة الشعب، حيث يتم تقييم المشاريع حسب أولويتها وأهميتها لصالح الشعب والبلاد. وجهود الإمارة لإسلامية الأخيرة أظهرت لنا هذا الاهتمام، وشهد به المساند والمعاند على حد سواء.

 

خامساً: التركيز على الإجراءات التي تسير بالبلاد نحو الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات، من السياسة والإدارة والاقتصاد، والذي كانت أفغانستان أبعد ما تكون عنه، والتقليل من الاعتماد على الغير؛ لاسيما وأنّ مقومات الاكتفاء الذاتي -حسب المتخصصين- متوفرة في البلاد؛ من الثروات الطبيعة، والموقع الجغرافي الاستراتيجي، حتى الكفاءات الذاتية والمواهب المبدعة لدى أبناء الشعب، والتي -إذا تم استغلالها- ستجعل من أفغانستان في قائمة البلدان النامية.

 

سادساً: امتلاك الخطط المدروسة والبرامج المحدّدة، حسب ظروف البلاد، والانطلاق طبقا لتلك الخطط، والعمل على تنفيذها بإحكام ومثابرة. وما التقدم الذي شهدته البلاد في الآونة الأخيرة سوى ثمرة من ثمار الخطط المعدّة والمدوّنة.

 

سابعاً: مجريات الأمور في الإمارة الإسلامية تؤخذ مأخذ الجد، فبعد البحث عن جزئيات أمر ما والكشف عن زواياه، يبدأ العمل عليه، دون مماطلة أو تسويف. بينما في بعض الحكومات قد تتداول الإدارات أمر ما ثم يجري بحثه في مجلس التشريع ولا يبقي إلا قانونا غير منفذ ثم يصبح في نهاية المطاف نسيًا منسيًا لا يتذكره لا الحاكم ولا المحكوم.

 

ثامناً: رجال الإمارة الإسلامية من مادة الشعب الأصلية غير الدخيلة، حيث ذاقوا ما ذاق عامة الناس من المرارات، وعندهم معرفة تامة بما نزل على الناس من مشكلات وتحديات، فهم في واد واحد ويتطعلون إلى أفق واحد، ويستقرئون حلمًا واحدًا، ويدفعهم هذا الدافع القوي إلى تحمل المشاق في سبيل تنمية البلاد وبناء مستقبل زاهر لأبنائها.

 

تاسعاً: تنظر الإمارة إلى الحقائق في المجتمع كما هي، وتنطلق لمعالجتها بحكمة وحنكة، ولا تلجأ إلى تحريف الرأي العام أو تغيير الموازين بالتزييف والتزوير لصالحها -كما هو شائع بين الدول-، مع تمسكها بثوابتها مهما كان الثمن؛ لأنها أسست على الصدق والبر والأمانة.

 

عاشراً: إشراف مسؤولي الإمارة شخصيًا وعملياً على النشاطات في كافة الساحات والميادين، الأمر الذي كان غائباً زمن الحكومة العميلة. ذلك أنهم يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن جميع ما يقع في البلاد، فتجدهم في الساحات كتفا بكتف، يحاورون الناس وجهًا لوجه، ويعملون على حل مشكلاتهم في أسرع وقت ممكن، بقدر ما لديهم من الإمكانيات. وهذا أمر شهدناه مرات ومرات خلال المدة التي مضت من حكم الإمارة للبلاد.

 

الحادي عشر: أخذ العبرة من أحداث أفغانستان في العقود الأربعة الأخيرة. إذ درس مسؤولوا الإمارة ما مضى واعتبروا منه، وأدركوا أنّ السبيل الوحيد للكرامة وحسن العاقبة والازدهار والارتقاء هوالاكتفاء الذاتي، ولا يحصل ذلك إلا بالتعاضد والتعامل والتعاون والتفاعل، لا الركون والاعتماد على الأجانب والأغيار ولا التشبث بأذيالهم وأعوانهم، ولا الوثوق بوعودهم وعهودهم؛ إذ أدركوا أنّ الأطماع هي التي ذهبت بالبلاد نحو الهاوية وضيّعت الجهود والآمال معًا، فعندهم دروس وعبر قيّمة من العقود الأربعة الأخيرة، وهم يتحركون في ضوئها هادئين مطمئنين، دون غفلة ولو للحظة.

 

الثاني عشر: مسؤولوا الإمارة أبعد ما يكونون عن التهاون والتقاعس في وظائفهم، فلا يعرفون الكسل في واجباتهم، ولا يتوانون عما يعزمون عليه، ولا يخافون في ذلك لومة لائم. تجمعهم الأخوة ووحدة الرؤية، ويعتبرون مراكزهم في الحكومة أمانة عندهم يجب المحافظة عليها؛ لا منصبًا شخصيًا، ويرون أن خدمة شعبهم واجب ديني وإنساني، سائرين إلى هدفٍ واحدٍ، من خلال رؤية واحدة، يسودهم الاحترام والتعاطف والتكاتف.

 

الثالث عشر: أدركت الإمارة الإسلامية أنّ السياسة تدور على المنافع والمصالح. والدول -بما فيها الدول المجاورة- تتحرك في إطار مصالحها وتنطلق نحوها، وكلما تعرضت منافعها ومصالحها للخطر؛ تغيرت تبعاً لها مواقفها وسياساتها، وانقلبت كلياً. فرجال الإمارة الإسلامية -بفضل الجهاد والجهد ومخالطة مختلف الناس- نضجوا وبلغوا الذروة في السياسة، ولهم نظرتهم وآراؤهم في الدبلوماسية، والتعامل، والاقتصاد، وأحداث العالم.

 

الرابع عشر: إظهار الوجه الحقيقي الحسن للإمارة الإسلامية، والذي شُوّهته -خلال السنوات الماضية- وسائل الإعلام، والتعريف بها للشباب والناشئين من خلال إقامة الفعاليات والاجتماعات في مختلف الولايات وعبرالمنصات الاجتماعية واللقاءات والزيارات مع آحاد الشعب، وهو ما عملت عليه الإمارة مبكرًا حتى قبل أن تسيطر على البلاد، ولا تزال الجهود جارية في هذا الشأن. وكان لهذه الجهود آثاراً إيجابية بَنَت الثقة بينها وبين الشعب وعمّقت الارتباط بينهما.

 

الخامس عشر: إعداد تقرير سنوي تعلن فيه الإمارة عن منجزاتها ونشاطاتها خلال العام، ما جعل الإمارة الإسلامية متفرّدة بين الحكومات المعاصرة بهذا المستوى من الشفافية والمصداقية، وهو أمر غير مسبوق في البلاد. وبهذا الإجراء أثبتت الإمارة الإسلامية مسؤوليتها تجاه شعبها، بإبلاغه عن مهامها وأنشطتها.

 

هذه عدة خصائص للإمارة الإسلامية، نادرًا ما تجدها في الحكومات المعاصرة، سقناها هنا تنويرًا للأذهان، وردًّا على ما قيل ولا يزال يُقال في الإمارة الإسلامية من أنها لا تصلح للحكم وأنها كذا وكذا! وحتى نعلم أن التغيير يأتي من وراء الخطط والجهود، وما حصل من تغييرات إيجابية على أرض الأفغان في الآونة الأخيرة لم يكن عشوائيا، بل هو نتيجة جهود متواصلة مخلصة تكلّلها هذه الخصائص والميّزات، وسترى منها -في مستقبل غير بعيد بإذن الله- ما يملأ قلبك بهجة وبهاءًا.

اليوم بفضل الله نادرًا ما تسمع أخبارًا سلبية عن أفغانستان، وربما لا تأتي إليك أنباء عنها، وهذا يعني أنهم في الواقع مشغولون جدا ومنهمكون في القيام بواجباتهم، بعد أن كانت تموج البلاد بالاضطرابات والفتن وكانت الحرب مستمرة والخلافات قائمة. ولكن أفغانستان اليوم لم تعد بلد حرب ومخدرات وإرهاب، كما أرادتها الولايات المتحدة الأمريكية، وكما توقّعت الأطراف الدّاخلية المعاندة التي ظلّت متمسّكة بإخوانها الغربيين من الدول الكافرة الظالمة.

وممّا أثار إعجاب الجميع؛ إنجازات إمارة أفغانستان الإسلامية في مجال الاقتصاد، لا سيما استقرار العملة الوطنية التي أشرفت على السقوط والانهيار زمن الحكومة العميلة. إنجازات لم تأتِ في المخيّلة، ولم تكن في الحسبان. لقد أصبحت هذه التطورات الإيجابية نفسها نقطة انطلاق نحو أفق مشرق، ومستقبل مرموق لدى آحاد الشعب ممن يستقلون في الفكر والرأي، ويفكرون في تقدم البلاد وتنميتها، ويرغبون في بنائها وبناء أجيال صالحة، راغبين عن الاتكال على الأغيار وعن آرائهم وأفكارهم، وقد أمن الناس على أرواحهم وأموالهم وأرضهم وأعراضهم. فهاهم اليوم يفكّرون في أمور أخرى كالتقنية والتنمية والاكتفاء الذاتي، وامتلاك حياة طيبة تحت راية الاستقلال والاستقرار، ويبحثون عن آمالهم وأمنياتهم تحت ظلال عقيدتهم وإيمانهم.

أليس معنى الحكومة أن تكون لها السلطة والغلبة في كافة الأمور، والقدرة على تقديم الخدمات، ومنع التحديات المختلفة، وإيقاف المظالم، وبسط الأمن، وتوفير ضرورات الحياة الأساسية للجميع في إطار القانون؟

فهذا كله موجود في حكومة الإمارة الإسلامية بوصفها حكومة شاملة من حيث أنّ نفعها يعمّ الجميع على حد سواء، وأنّ الإمارة الإسلامية حقيقة وواقع لا يمكن إنكارهما. فلا بدّ على العالم أن يعترف بها ويتعامل معها كحقيقة موجودة في أفغانستان.