فِِقْهُ الْجِهَادِِ: الحلقة: الخامسة – ليس الجهاد في الإسلام للدفاع فقط

موقف المنهزمين تحت الهجوم الإستشراقي من جهاد الطلب:

ما زال أعداء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها منذ بزوغ فجر الإسلام و إعلان رسول الله- صلى الله عليه وسلم – دعوته وجهره بها وإلى يومنا هذا….. يكيدون للإسلام كيداً ويشنون عليه حرباً لا هوادة فيها في كل مجال وكل ميدان، وبشتى الوسائل والأساليب قولاً وفعلاً، كيداً ودساً وخبثاً ومكراً وغزواً وافتراءً واجتراءً على العقيدة الغراء والشريعة السمحاء، وتفريقاً وتشتيتاً وإضعافاً للأمة المسلمة، يتناولون بذلك لا جوهر الإسلام وعقيدة المسلمين وحسب، بل يتخطون ذلك إلى كل مقومات الإسلام كدين من عقيدة وشريعة وكتاب وسنة… ثم أمة الإسلام ذاتها من شعوب ودول قائمة أو تاريخ وعلم وحضارة شيدها المسلمون في شتى بقاع الأرض على مر القرون والأزمان….والحمدلله… و إن هذه الهجمة الشرسة على الإسلام وأمة الإسلام لم تتوقف ولن تتوقف حتى تقوم الساعة، و ما نشاهده اليوم من اشتداد الهجوم على الإسلام والمسلمين في كل مجال وميدان لهو أصدق دليل على ذلك. وكما نعلم جميعاً أن الجهاد يرهب أعداء الله، ويخافونه كثيراً، ولذلك ما فتئ أعداء الإسلام يبحثون عن وسائل متنوعة لإبطال الجهاد ومحوه من أفكار المسلمين بشتي الوسائل والأساليب من الكذب والافتراء على حقيقة هذا العمل الجليل.

فمن الأكذوبة التي يتداولها كثير من المستشرقين، قولهم: الإسلام انتشر بالسيف، ودين المسلمين دين إرهاب، وأنه يدعو إلى الحرب وإلى العنف،وإنَّ نبيهم لم يأتِ إلا بالدمار للعالم!، كما أذاعوا من نعراتهم:أنتم معشر المسلمين تحبون الدماء!، وهي من أكثر الشبه انتشارًا.

ومن الأسف الشديد: ففي الوقت الذي قال فيه أعداء الله:إن دين الإسلام انتشر بالسيف….، ظهر المخلصون من أهل الإسلام، و أرادوا تطبيق الإسلام على النظريات و الأفكار الغربية ــ وهم إما جهلة، وإما منهزمون تحت الهجوم الاستشراقي الماكر،وإما يريدون تجميل الإسلام…ـــ فحاولوا في كثير من المسائل أن يبتدعوا في الفقه الإسلامي آراء موافقة لأهواء أهل الغرب، ويلقموها في فهم النصوص الشرعية كرهاً، إرضاءً للمستعمرين والمستشرقين وتناسوا قول الله س بحانه وتعالي: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (البقرة:120ا).

وبادروا بالرد على هذه الفرية، و الدفاع عن الإسلام هذا الاتهام، بقولهم: كلا ديننا لم ينتشر بالسيف، و إنما بالدعوة والبيان، وإنما كان السيف للدفاع عن النفس و عن الديار فقط !!، أنظروا إلى شرق آسيا لم يدخله الإسلام إلا عن طريق التجار، وكلا.. نحن لسنا إرهابيين، نحن ألطف مَن خلَقَ الله! ونبينا نبي الرحمة، حتى الحيوانات لم تهملها رحمته! أما عن حبنا للدماء فإشاعات مغرضة والله!….، كما يقولون: قتال النبي صلى الله عليه وسلم كله كان مدافعةً عن الحق وأهله، وحمايةً لدعوة الحق، ولذلك كان تقديم الدعوة شرطًا لجواز القتال. وإنما تكون الدعوة بالحجة والبرهان لا بالسيف والسنان…، فإذا مُنعنا من الدعوة بالقوة بأن هدد الداعي أو قتل، فعلينا أن نقاتل لحماية الدعاة ونشر الدعوة، لا للإكراه على الدين فالله تعالى يقول: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]، ويقول: { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، وإذا لم يوجد من يمنع الدعوة ويؤذي الدعاة أو يقتلهم أو يهدد الأمن ويعتدي على المؤمنين، فالله تعالى لا يفرض علينا القتال لأجل سفك الدماء وإزهاق الأرواح، ولا لأجل الطمع في الكسب…ولقد كانت حروب الصحابة في الصدر الأول لأجل حماية الدعوة، ومنع المسلمين من تغلب الظالمين لا لأجل العدوان.

فقد ابتدع هؤلاء في أمر الجهاد لا سلف لهم فيها، بما قد التبس عليهم الأمر في أمر الجهاد، وهي أن الجهاد للدفاع فقط، و أن المسلمين لا يجوز لهم أن يغزوا الكفار لأجل إخضاعهم لسلطان الإسلام، وإعلاء كلمة الله على كلمتهم، إلا إذا سبق الكفار بالاعتداء على المسلمين.

ولكن لا يخفى ما في رأي هؤلاء المنهزمين من مخالفة لما ذكره الله عز وجل في كتابة الكريم عن غاية الجهاد وما فيه أيضاً من مخالفة لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء وأمراء المسلمين من بعده في تسيير الجيوش لفتح الدنيا وإزالة الطواغيت الذين يصدون عن الدين الحق وحتى لا تكون فتنة – أي شرك – ويكون الدين كله لله.

وقد تأثر بهذا الرأي المبتدع كثير من الكتاب في البلاد الإسلامية، ولكن قام في الوقت نفسه فحول العلماء في كل بلد و قطر للرد على هذه النظرية بأدلة مقنعة و وحجج بينة لامحيص من إنكارها.

و إن أكبر ما استندوا إليه من هذا الرأي المبتدع: الآيات التي تبيح للمسلمين السلم والصلح، أو تأمرهم بالجهاد عند إعتداء الكفار مع أنها آيات مرحلية تفيد مشروعية الجهاد في حالة مخصوصة، ولاتنفي مشروعيته في حالة أخري.

أدلة من قال: ” إن الجهاد في الإسلام للدفاع فقط “، والرد على رأيهم:

وقد تعلق القائلون بأن الجهاد للدفاع فقط بآيات ثلاث واحتجوا لرأيهم بها:

فالآية الأولى قوله جل وعلا: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَاتَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة:190)

والجواب عن ذلك كما تقدم – تحت عنوان مراحل تشريع الجهاد- أن هذه الآية ليس معناها القتال للدفاع، بل إنما تفيد مشروعية المرحلة الثالثة في بداية الإسلام حين كانت الدولة الإسلامية في حالة الضعف، فاوجب الله عليهم قتال من قاتلها دون من لم يبدأها بالقتال، وقد جزم بذالك الإمام الشافعي رحمه الله (ينظر أحكام القرآن للشافعي:2: 9الي19).

وقال بعض المفسرين:إنها نزلت في النساء والذرية، وإنما معناها القتال لمن كان شأنه القتال: كالرجل المكلف القوي، البالغ، وترك من ليس شأنه القتال: كالمرأة والصبي والرهبان ونحو ذلك، ولهذا قال بعدها: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ. وهنا تفسير قوي يؤيده نهي النبي عليه السلام عن قتل النساء و الولدان وأصحاب الصوامع (راجع أحكام القآن للجصاص:257:2)

وأما قوله تعالي: وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة:190) فالاعتداء هنا معناه، كما قال المفسرون، لا تقاتلوا على غير الدين، ولا تقاتلوا إلا من قاتل، وهم الرجال البالغون دون النساء والذرية والرهبان فإنه اعتداء. (راجع أحكام القرآن لابن العربي:1:104و105)

والآية الثانية التي احتج بها من قال بأن الجهاد للدفاع هي قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنفال:61).

والجواب أن هذه الآية مسوقة لبيان الحكم في حالة ضعف المسلمين. يقول ابن العربي رحمه الله تعالي في أحكام القرآن(864:4) إن كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت هذه الآية، فإذا كان المسلمون على عزة وقوة فلا صلح، قال تعالي: { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون}.

قال الإمام أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (70:3): فالحال التي أمر فيها بالمسالمة هي حال قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم، والحال التي أمر فيها بقتل المشركين وبقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية هي حال كثرة المسلمين وقوتهم على عدوهم، وقد قال تعالى: { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم } فنهى عن المسالمة عند القوة على قهر العدو وقتلهم.

وهناك طائفة أخري من المفسرين، تفسر السلم في الآية بالمصالحة على الجزية، يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالي: وقيل: ليست بمنسوخة، بل أراد قبول الجزية من أهل الجزية. وقد صالح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده من الأئمة كثيرا من بلاد العجم، على ما أخذوه منهم، وتركوهم على ما هم فيه، وهم قادرون على استئصالهم. (تفسير القرطبي:40:8).

والآية الثالثة التي تعلق بها – من قال أن الجهاد للدفاع فقط – قوله تعالى: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (النساء: 60)، قالوا: من اعتزلنا وكف عنا لم نقاتله.
والجواب أن هذه الآية مرحلية أيضاً ونزلت في طائفة مخصوصة، فمن المفسرين من قال: إنها منسوخة نسختها آية البراءة،: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة:5). روي ذالك عن ابن عباس رضي الله عنهما.(راجع تفسير ابن كثير:533:1، وروح المعاني:111:5).

ومن المفسرين من قال: إنها محكمة في حق أفراد في جيش الكفار، اعتزلوا عن القتال، قال ابن كثير: فليس لكم أن تقتلوهم، ما دامت حالهم كذلك، وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين، فحضروا القتال وهم كارهون، كالعباس ونحوه، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قتل العباس وأمر بأسره. (372:2)

وبالجملة فجميع الآيات التي يستدل بها هؤلاء متعلقة بظروف مخصوصة في بداية الإسلام. والذي استقر عليه أمر الجهاد ما نزل في سورة التوبة، وهو قوله تعالي: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)،وقوله تعالي: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)، وقوله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123).

فهذه الآيات كلها تأمر المسلمين بالابتداء بقتال الكفار، فإنها لم تذكر سبباً لقتالهم إلا كفرهم بالله واليوم الآخر، وعدم تحريمهم ما حرم الله تعالي، وما إلي ذالك، ولم تذكر أن سبب قتالهم هو هجومهم على المسلمين. وهذه الآيات آخر ما نزل من القرآن الكريم، فهي محكمة باقية الحكم إلي قيام الساعة، وعملاً بهذه الأحكام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله(رواه الشيخان واللفظ لمسلم). وهذا نص محكم صريح في مشروعية جهاد الابتداء، لا يمكن حمله على جهاد الدفع أبداً. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وكلها تدل على أن القتال شرع لإزالة الكفر والضلال ودعوة الكفار للدخول في دين الله لا لأنهم اعتدوا علينا فقط ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ” فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ” ولم يقل فإذا كفوا عنا أو اعتزلونا، بل قال: ” حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك الحديث.فدل ذلك على أن المطلوب دخولهم في الإسلام وإلا فالسيف، إلا أهل الجزية كما تقدم.

من النصوص التي نجد فيها الإشارة إلي وجوب قتال الكفار إبتداءً:

فمن الكتاب:قوله تعالى:وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (البقرة: 193). وقوله تعالي:وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير(الأنفال:39).و قوله تعالى:ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردُّوكم عن دينكم إن استطاعوا (البقرة:217)، وقوله تعالى: { فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ }(التوبة:5)،. قال الله سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التوبة: 123]، وقال: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 5] وقوله تعالى: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [البقرة: 120]، وقوله: { وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً } [النساء: 102].و قوله تعالي:{ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (الحج: 40).

ومن السنة: قوله صلي الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله(رواه مسلم). وقوله صلي الله عليه وسلم:” اغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ” [رواه مسلم]، وقول النبي صلي الله عليه وسلم بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم (رواه أحمد)، وغير ذلك من النصوص.

ففي هذه النصوص إشارة إلي أمور منها:

1-أن الإسلام جاء لقيادة البشرية نحو خيرها، فمن حقها أن تبلغَها الدعوةُ، ولا يمكن هذا إلا بتحطيم الأنظمة التي تحول بين الناس وبين أن يسمعوا كلمة الله.
2- و أن الإسلام لابد فيه من السيف لمنع الفتنة التي يقترفها المفسدون في الأرض، وليكون الدين كله لله “لا بمعنى إكراه الناس على الإيمان، ولكن بمعنى استعلاء دين الله في الأرض.
3- و أن الصراع بين الخير والشر لا ينقطع، فالحياة قائمة على قانون التدافع، ولو تمكن الشر وحده من الأمر ـ كما يحصل الآن ـ لفسدت الحياة. وما الطغيان الذي نراه اليوم إلا لانعدام القوة المقابلة.
4- و أن القول بأن الجهاد دفاعي فقط، دعوى تدل على الجهل بطبيعة الشر وأهله، فقد أخبر الله وهو أعلم بخلقه بنوايا المشركين تجاه المسلمين، في مثل قوله: { وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ } [البقرة: 217]، وقوله تعالى: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [البقرة: 120]، وقوله: { وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً } [النساء: 102].

وإذا كانت هذه نوايا أهل الكفر تجاه المسلمين، فكيف يجوز أن يدعى بأن الجهاد في الإسلام لم يشرع إلا عندما يهجم أعداء الإسلام على دار الإسلام، أو على المسلمين، مع أن الله أخبرنا أنهم فاعلون ذلك إن عاجلاً أو آجلاً، وأنهم لا يسالمون إلا وفي نيتهم منازلة المسلمين عندما تتاح لهم الفرص والظروف؛ يؤيد هذا ما أخبر به عز وجل من أن المشركين لا عهد لهم ولا أيمان، فقال سبحانه: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ “، إلى قوله تعالى: { فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ }(التوبة: 7-12).

من أقوال الفقهاء في وجوب قتال الكفار إبتداءً، واستمراره:

قد صرح العلماء بوجوب قتال المسلمين للكفار إبتداءً، إذاكان في المسلمين قوةً، ورفض الكفار الإسلام أو دفع الجزية والدخول في عقد الذمة وتسليم الحكم للمسلمين، فمن أقوالهم:

في فتح القدير شرح الهداية:

(وقتال الكفار) الذين لم يسلموا وهم من مشركي العرب أو لم يسلموا ولم يعطوا الجزية من غيرهم (واجب وإن لم يبدءونا) لأن الأدلة الموجبة له لم تقيد الوجوب ببداءتهم(2: 81-82)

في العناية شرح الهداية:

(وقتال الكفار) الذين امتنعوا عن الإسلام وأداء الجزية (واجب وإن لم يبدءوا بالقتال للعمومات) الواردة في ذلك كقوله تعالى { فاقتلوا المشركين } { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } { كتب عليكم القتال } وغيرها.(282:4).

في الدرالمختار:

كتاب الجهاد… (هو فرض كفاية)… (ابتداء) إن لم يبدؤونا،(123:4)

في مغني المحتاج:

” وأما بعده ” صلى الله عليه و سلم ” فللكفار حالان أحدهما يكونون ببلادهم ” مستقرين بها غير قاصدين شيئا من بلاد المسلمين ” ففرض كفاية ” كما دل عليه سير الخلفاء الراشدين(208:4)
في مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية:

وأبلغ الجهاد الواجب للكفار والممتنعين عن بعض الشرائع كما نعى الزكاة والخوارج ونحوهم يجب ابتداءً ودفعا فاذا كان ابتداء فهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين وكان الفضل لمن قام به(358:28)

وفيه أيضاً:

وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو ان يكون الدين كله لله وان تكون كلمة الله هى العليا فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين…. لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله…..فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه(354:28).

في الكافي لابن عبدالبر:

وكل من أبى من الدخول في الإسلام أو أبى إعطاء الجزية قوتل فيقتل الرجال المقاتلة وغير المقاتلة إذا كانوا بالغين ولا يقتل النساء ولا الصبيان ولا العجائز ولا الشيوخ الزمنى ولا المجانين ويسبون(466:1).

في كشاف القناع:

(ولا تصح) الهدنة (إلا حيث جاز تأخير الجهاد) لمصلحة (فمتى رأى) الإمام أو نائبه (المصلحة في عقدها لضعف في المسلمين عن القتال، أو لمشقة الغزو أو لطمعه في إسلامهم، أو في أدائهم الجزية أو غير ذلك) من المصالح (جاز) له عقدها.(1:111و112).

في المهذب للشيرازي:

فإن لم يكن في الهدنة مصلحة لم يجز عقدها لقوله عز و جل: { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم } [ محمد: 35 ] وإن كان فيها مصلحة بأن يرجو إسلامهم أو بذل الجزية أو معاونتهم على قتال غيرهم جاز أن يهادن أربعة أشهر لقوله عز و جل: { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } [ التوبة: 1 – 2 ](259:2).

فمن تأمل أدلة الكتاب والسنة، وأقوال الفقهاء الأعلام ونظر في ذلك بعين البصيرة وتجرد عن الهوى والتقليد عرف قطعا بطلان قول من قال: الجهاد في الإسلام للدفاع فقط، وأنه لا أساس له. وكل ذالك إما جهل أو تجاهل عن حقيقة الجهاد الشرعي، عن أغراض القتال في سبيل الله و أهدافه.

وعلاوة على ذالك كله، الإسلام دين السيف لأنه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبي المرحمة ونبي الملحمة؛ نبي المرحمة في وقتها، ونبي الملحمة في وقتها، وهذا مقتضى الحكمة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً لو صح ما يدعيه هؤلاء المفكرون من رأيهم… لاكتفى صلى الله عليه وسلم بفتح مكة، وتأديب كفار قريش، ولما كانت الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء حتى عمت دعوة التوحيد ودولة الإسلام أقطار شتى.

و كذا إذا ننظر إلي الحوار الذي دار بين مجاهدي الإسلام من جهة، وبين كسرى ورستم من جهة أخرى أثناء الفتوحات الإسلامية، ولا نجد في كلام المجاهدين ما يشير إلى أنهم جاءوا ليدافعوا عن أنفسهم وأراضيهم، أو يؤدبوا قومًا اعتدوا عليهم ثم يرجعوا عنهم، وإنما نجد في كلامهم ما يدل على سمو رسالتهم، ونبل أهدافهم التي عبروا عنها بقولهم: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام… فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه، فمن قبله منا قبلنا منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى الجنة أو الظفر(البداية والنهاية:39:7).

المستفاد مما سبق ذكره:

ويلخص لنا مما سبق ذكره من أقوال الفقهاء، و من الردود على آراء المبتدعة، أن الواجب على المسلمين أولاً أن يعرضوا الإسلام على الكفار، فان أسلموا، فبها ونعمت، و إن رفضوا الإسلام غرض عليهم الإستسلام لحكم الله، وتسليم السلطة للإسلام، ويدخلوا في عقد الذمة والجزية، وإن فضلوا دفع الجزية وفبول الذمة، فاتلهم المسلمون حتي يخضعوهم.

ومن هذا تبين أن قتال المسلمين للكفار ليس الغرض منه حملهم على الإسلام بالجبر والإكراه، وإنما القصد منه إزاحت طواغيت الكفر عن حكم خلق الله بغير ما أنزل الله ليحكمهم المسلمون بشريعة الله.
هذا !، ولقد آن للمسلمين أن يتحولوا إلى موقف الهجوم بدلا من موقف الدفاع الذي لصقوا به دهرا طويلا، وليقولوا للعالمين: إذا كان الإرهاب لحفظ الحق، فنحن إرهابيون، ذلك أن الإرهاب ليس وصفا مطلقا فقد يكون خيرا وقد يكون شرا! كالقتل، منه ما هو شر، ومنه ما هو خير، فقتل النفس البريئة شر، وقتل القاتل خير! وهكذا…وبهذا تكون كلمة الله هي العليا، وبهذا يعز الإسلام و تطبق أحكامه و يكون الين كله لله.
…………………………………………………………………… (أنظر للتفصيل: تكملة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم:4:3ومابعدها، و المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم:379:4ومابعدها.والفقه الحنفي في ثوبه الجديد:30:3 ومابعدها.والإستعانة بغيرالمسلمين في الفقه الإسلامي للطريقي:101،ومابعدها، و الكتاب: المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام لعلي بن نايف الشحود، الشبهة(11): موقفهم من الجهاد.).