شهر رجب والذكريات الخالدة !

من المناسبات التي تخلل العام الهجري رأس السنة الهجرية وهي الأول من المحرم وذكرى الإسراء والمعراج ويجعلونها في السابع والعشرين من رجب وبداية الصيام في شهر رمضان المبارك وليلة القدر وتكون في العشر الأواخر من شهر رمضان وعيد الفطر ويكون أول الشوال وعيد الأضحى ويكون في العاشر من ذي الحجة وموسم الحج ويكون في الفترة مابين الثامن إلى الثالث عشر من شهر ذي الحجة.

ومن هذه المناسبات المباركة تطل علينا هذا الشهر المناسبة الثانية التي يقول في شأنها العلماء: إن السماء تنفرج بالأمل في أحلك الساعات دائما ولقد شاء الله تبارك وتعالي أن خص نبينا محمد صلي الله عليه وسلم بآية الإسراء في ليلة مباركة قبيل عام من إذن الهجرة، ولقد كان هناك ارتباط بين قيام المجتمع المؤمن المتكامل ثمرة نهائية لجهاد الرسول محمد صلالله عليه وسلم   وبين هذا المدد الإلهي الذي شد أزره بآية كونية جليلة هي الإسراء والمعراج في عام من أحلك الأعوام التي مرت به صلي الله عليه وسلم على مدى الكون في نضال الدعوة، الملاحقة بالسخرية والتكذيب، عام الإيذاء والاضطهاد والمقاطعة له ولأصحابه المستضعفين عام الحزن الكبير على أبي طالب العم الرحيم صنو أبيه ناصره المطاع سيد البطحاء وكذلك على السيدة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها الزوجة الوفية البارة أنيسة قلبه ووزيرة الصدق في دياجير المحن التي كانت في كل الشدائد والملمات عزاء وأمنا وسكنا فكانت هاتان الحادثتان من أشد ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحزان الدنيا وشاء الله تبارك وتعالى أن يداوي جرح النبي وأن يسري عنه همومه وأحزانه فكانت معجزة الإسراء والمعراج هي التسلية والتأييد والدافع إلى الثبات وإتمام الدعوة.

يقول صاحب ظلال رحمه الله إن: “قصة الإسراء – ومعها قصة المعراج- كانتا في ليلة واحدة- الإسراء من المسجد الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس.

والمعراج من بيت المقدس إلى السماوات العلى وسدرة المنتهى، وذلك العالم الغيبي المجهول لنا.. الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، إلى محمد خاتم النبيين [صلي الله عليه وسلم] وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا.

وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات، وارتباط رسالته بها جميعا.

فهي رحلة ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان، وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من الزمان والمكان، وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تتكشف عنها للنظرة الأولى.

ووصف الله المسجد الأقصى بأنه (الذي باركنا حوله) وصف يرسم البركة حافة بالمسجد، فائضة عليه.

وهو ظل لم يكن ليلقيه تعبير مباشر مثل: باركناه. أو باركنا فيه. وذلك من دقائق التعبير القرآني العجيب. والإسراء آية صاحبتها آيات:….والنقلة العجيبة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في البرهة الوجيزة التي لم يبرد فيها فراش الرسول [صلي الله عليه وآله وسلم ] أيا كانت صورتها وكيفيتها.. آية من آيات الله، تفتح القلب على آفاق عجيبة في هذا الوجود; وتكشف عن الطاقات المخبوءة في كيان هذا المخلوق البشري، والاستعدادات اللدنية التي يتهيأ بها لاستقبال فيض القدرة في أشخاص المختارين من هذا الجنس، الذي كرمه الله وفضله على كثير من خلقه، وأودع فيه هذه الأسرار اللطيفة “.

نعم جاءت آية الإسراء في موعدها لتكون في ذروة التكذيب للرسول صلي الله عليه وسلم من قومه بشرى له بإيمان قومه بعد الصدود والتكذيب…. بشرى دخول المؤمنين في دين الله أفواجا دعاة مهتدين ومعلمين بدينهم وإيمانهم بين مشارق المسجد الحرام في مكة وأطراف المسجد الأقصى في القدس إلى آخر ما تبلغه أضواء المسجدين و أصداؤها شرقا وغربا في وطن المسلمين الكبير.

كان الإسراء والمعراج من المعجزات الكبرى لنبينا عليه وعلي آله الصلاة والسلام بل تعتبر أكبر معجزة بعد القران الكريم وذلك لورودها في الذكر الحكيم وصحيح السنة النبوية ومنح له ولأمته بفريضة الصلاة ورؤية الحق عز وجل و إمامته عليه وعلى آله الصلاة والسلام الأنبياء، وتجاوزه الى مكان توقف الأمين جبرائيل عليه السلام إلى غير ذلك مما لا يحصى من المشاهد والعبر.

وهناك تائيدات للرسول الكريم صلي الله وسلم في وجه سخرية المكذبين وصدود المستهزئين حقيقة هذا الاتحاد الذي لا ينفصم بين الإيمان بالله والأمن في الحياة ويعود الرسول صلالله عليه وسلم   إلى مكة… يعود الإنسان الرسول المؤمن المشفق على أمته إلى مكانه الذي انطلق منه يعود بعد ليلة حافلة مباركه، اهدأ بالا على دعوته وأعظم تفاؤلا بمستقبل أمته وأشد نفاذا ببصره في ملكوت السماوات والأرض من حوله و أكثر بلاغا باليقين إلى الأنصار… الذين تكاثروا في صحبته وثبتوا في تأييده… حتى كانت الهجرة وكان الجهاد وكان النصر وكان البناء وكان الانطلاق في أرجاء الأرض.
وبعد ما نتصفح التفسير نقرأ ما قاله السيد الشهيد رحمه الله:” نعيش لحظات في ذلك الأفق الوضيء الطليق المرفرف الذي عاش فيه قلب محمد – صلوات الله وسلامه عليه – ونرف بأجنحة النور المنطلقة إلى ذلك الملأ الأعلى ;…. نعيش لحظات مع قلب محمد [صلي الله عليه وسلم] مكشوفة عنه الحجب، مزاحة عنه الأستار.
يتلقى من الملأ الأعلى.
يسمع ويرى، ويحفظ ما وعى.
وهي لحظات خص بها ذلك القلب المصفى ; ولكن الله يمن على عباده، فيصف لهم هذه اللحظات وصفا موحيا مؤثرا.
ينقل أصداءها وظلالها وإيحاءها إلى قلوبهم (في سورة والنجم) فيقول جل وعلا : (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَد رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)
يصف لهم رحلة هذا القلب المصفى، في رحاب الملأ الأعلى.
يصفها لهم خطوة خطوة، ومشهدا مشهدا، وحالة حالة، حتى لكأنهم كانوا شاهديها.
وكان ذلك كله حقا يقينا، فلم يكن زغللة عين، ولا تجاوز رؤية.
إنما هي المشاهدة الواضحة المحققة، التي لا تحتمل شكا ولا ظنا.
وقد عاين فيها من آيات ربه الكبرى، واتصل قلبه بالحقيقة عارية مباشرة مكشوفة فالأمر إذن – أمر الوحي – أمر عيان مشهود.
ورؤية محققة.
ويقين جازم.
واتصال مباشر.
ومعرفة مؤكدة..
ورحلة واقعية.
بكل تفصيلاتها ومراجعها..”.
نعم قد رأى الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ضمن ما رأى من آيات ربه الكبرى، رأى قوما يزرعون ثم يعودون فيحصدون ما زرعوا وكلما حصدوا عاد زرعهم كما كان فيحصدونه ثانية وهكذا فسأل جبريل عليه السلام فقال هؤلاء هم المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنات…. إلى عشر إلى سبعمائة والى ما شاء الله تعالي وما أنفقوا شيئا فالله يخلفه.
وتمر السنون على تلك الليلة المباركة ومعانيها وذكرياتها الخالدة واليوم تمر بالأمة الإسلامية والدم المسفوح لأبرياء المسلمين في كل مكان وتمر بنا هذه الليلة وبلادنا تئن تحت وطأة الاحتلال وتمر بنا ليلة المعراج كلما مست أبناء الأمة الإسلامية البأساء والضراء وزلزلوا وهم في انتظار لطف الله.
وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد.
صدق الله العظيم.