كلمة أمير المؤمنين الشيخ هبة الله آخندزاده -حفظه الله- في حفل تخريج لطلبة العلم الشرعي

في حفل تخريج لمجموعة من طلاب العلم بعد أن أنهوا مشوارهم الأساسي في طلب العلم الشرعي، ألقى سماحة أمير المؤمنين الشيخ هبة الله آخنزاده -حفظه الله- كلمة بهذه المناسبة المباركة يبارك فيها للخريجين تخرجهم، ويحثّهم على مواصلة هذا المشوار الخيّر، مبيّناً لهم فضل طلب العلم وطلابه. وفيما يلي ما جاء في كلمته حفظه الله:

 

نحمده ونصلي على رسوله الكريم. أما بعد،

فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) [البقرة:1،2] صدق الله العظيم، وصدق رسوله النبي الكريم. ونحن على ذلك من الشاهدين والشاكرين والحمدلله رب العالمين.

إلى كل الحضور في هذه الجلسة الميمونة المباركة من العلماء الأكارم والمشايخ الأفاضل والمجاهدين والخريجين من طلبة العلم الشرعي؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بادئ ذي بدء، أود تهنئة المتخرجين الجدد طلاب العلم الشرعي بمناسة إتمامهم دراستهم وتتويجهم بالعمائم. أسأل الله تعالى أن يتقبل جهود أستاذتهم، وأن يتقبل من سعى لتسهيل الفرصة لتقديم مثل هذه الخدمات، ومن قدم الخدمة، وأن يتقبل من علماء قندهار وأفغانستان خدماتهم. كما أدعو الله لجميع المسلمين وكل العلماء في أرجاء العالم بأن يتقبل خدماتهم العلمية. وأقدم التهنئة لجميع طلبة العلم الشرعي سواء في أفغانستان أو خارجها وفي أي بقعة من بقاع الأرض، وأسأل الله أن يوفقهم لتحصيل العلم وخدمته والعمل به، وأن يجعل علمهم سبباً للنجاة ووسيلة لدخولهم جنة الفردوس، وأسأل الله أن يسعد آباءهم.

 

لقد عفت الإمارة الإسلامية عن مرتكبي الجرائم في أفغانستان والذين خاضوا حروباً ضدها. ولو كان لديها نوايا سيئة لاستدعت أولئك وأعدمتهم فرداً فرداً. لكننا اليوم نعطف على أطفالهم ونصرف المرتبات الشهرية لأيتامهم تماماً كما نفعل مع أيتامنا وكذلك الأمر بالنسبة لمعاقي الحكومة الغابرة. هؤلاء شعبنا، يسعى الكفار دوماً لإيقاع الكراهية وبث الشقاق والخلاف فيما بيننا.

 

أتقدم بالتهنئة مجدداً، سائلاً الله أن يتقبل مساعيكم ومساعي المجاهدين. وفقكم الله لخدمة الدين والقرآن، ورزقكم علماً شرعياً نافعاً.

أبعث بأصدق التهاني إلى الطلبة الخريجين، وأرفعها من قلبي لآبائهم، وأقاربهم، وعائلاتهم. وأسأل الله أن يجعل أولادهم وسيلة لنجاتهم وأن يخلصهم ببركة أولادهم من جميع مصائب الدنيا والآخرة.

إخواني، لقد حدثكم العلماء عن فضيلة العلم، فالعلم صفة محمودة. وبالعلم أكرم الله الإنسان عن الحيوانات وأعزه وجعله من أشرف المخلوقات.

يشترك الإنسان والحيوان في جميع الأمور عدا العلم فليس عند الحيوان علم ولا فيه ملكة يقدر بها على تلقيه.

العلم صفة الله ومن يرد الله به خيراً يمنّ عليه بتلك الصفة، كما في الحديث: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).

ولا تُعرف إرادة الله في حق الجميع (أي ماذا أراد الله في حقه) ما عدا العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين ما إرادة الله للعلماء أنه أراد الخير للعلماء في الدنيا والآخرة، هم مفلحون في الدنيا والآخرة، فمن يكرمه الله بالعلم النافع ينعم بنعيم الدنيا والآخرة ولا يريد له العذاب فيهما.

الحداثة المعاصرة متحيرة في أمر الطلبة؛ كيف يقضون الليالي والأيام في المدرسة تاركين منازلهم من غير ربح دنيوي أو مصدر رزق معلوم.

يحاول هؤلاء أن تصور لهم بأن مستقبلك يُدمر ويضيع، وأن عليك تأمين مستقبلك بدلاً من إهدار وقتك في المدرسة بلا عائد. فليس في قلوب هؤلاء الجهلة مافي قلب الطالب من اليقين والإيمان تجاه الله ولا يدركون أو يشعرون بتلك العطايا الربانية، ولا يعرفون العلاقة بين الله والطالب والعالم؛ لماذا يعيش الطالب في عزلة عن الناس يقاسي الفقر ويتقوى بالفتات، يمضي السنين يجتاز المسالك الصعبة ليتم رحلته العلمية. فلتسألواالعلماء عن ما واجهوا من صعوبات ولتعلموا ما بذلوه في طريق تلقي العلم. وكل علم يكتسب ببذل الجهد وإتعاب النفس أمر يستحق التقدير، فللعلم قيمة عند العالم لا تقدر، وقد قيل إنما يعرف الفضل ذووه، وقيمة العلم يعرفها العلماء وحدهم، فصاحب كل فن يعرف قيمة فنه كما يعرف الصائغ قيمة الذهب، والجوهري قيمة الجوهرة، ويكون قيمة العالم عند العالم بتضحيات ضخمة وصعوبات جمة، اكتسب العالم هذا العلم، ثم يعلمك مجاناً لصالحك وليس لصالحه الشخصي.

هؤلاء العلماء هم المتوكلون على الله، فيتولى المسؤولية ويستمر في عمله متوكلاً على الله مبتغياً وجهه سواء أُعطي مالاً أم لم يُعط، فالله قد قدر له رزقه ليس عنده تجارة ولا أجرة يومية، فهو يعمل لله لو أعطيته شيئاً فبها وإن لم تعطه فلا يطلب منك، هم مصداق الآية: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة: 273]. وصلوا في الاستغناء بالله والاستغناء عن الناس إلى الذروة كأنهم يملكون العالم بأسره، ولكنك عند البحث تجد بأنه لا يملك عشاءه، ومع هذا تجده شامخاً غيوراً يحسبه الناس غنياً.

ولعلكم سمعتم ما يقوله البعض بأنه كيف يمكن لهؤلاء العلماء أن يسيروا شؤون حياتهم فضلاً عن إدارة الحكومة، ومن أين لهم هذا. ولكنهم أدركوا الحقيقة الآن؛ بأن الأمور كلها في إدارة العلماء وأنهم قادرون على الحكم بجدارة.

يسعى هؤلاء الجهال لإحداث فجوة بين عامة الناس والعلماء؛ بأن العلماء الكرام هم من اصطفاهم الله لدينه، يريدون صلاحك ومافيه نفعك فيجتهدون في تعليمك الدين، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. وبالرغم من أنهم لا يملكون شيئاً هم أرحم الناس بالآخرين بالعطاء، ينفع غيره في حين يبقي نفسه محتاجاً. خير الناس من ينفع الناس، لا تهمهم نفوسهم، هؤلاء العلماء هم خيرة الناس لأنهم أنفعهم للناس. أما أهل الدنيا فما يهمهم سوى نفع أنفسهم، تجد أهل الدنيا لا يكادون يخاطبونك سوى بما فيه مصلحتهم الشخصية، ويراعون منافعهم إن منحوك شيئاً، وحتى يبحثون عن مآربهم المادية عندما يحكم عليك بأن يجعلك عبداً لنفسه.

وهذا ديدن العالم كله اليوم؛ هم يحاولون جعل الشعوب عبيداً وخدماً لهم ولمصالحهم؛ يتغنّون بشعارات إنسانية زائفة بأنهم في خدمة الإنسانية. لكن ليس الأمر كذلك فهم في الحقيقة متعطشون لشرب دماء الشعوب.

كما تسمعون اليوم شعارات خدمة الإنسانية تلك الهتافات الجوفاء باسم الإنسانية للجهال والظلمة وأنتم تشاهدون عملياً وبأم أعينكم والعالم كله، وما يؤسفني فيه هو صمت المسلمين الشديد حتى أنهم لا يستطيعون الجهر بكلمة الحق، فبسبب ضعف الدين والإيمان لا يستطيعون الجهر بكلمة الحق.

أنتم اليوم تشاهدون المظالم الشديدة التي يتعرض لها الفلسطينيون، ونحن على يقين لدرجة كأننا نرى بأعيننا هناك يتعرض مسلموا فلسطين للإبادة الجماعية.

 

اللهم اغفر لجميع الحاضرين في هذا المجلس واجعل الفردوس مثواهم. اللهم اغفر للمجاهدين والشهداء، اللهم اشف جرحانا، وارحم آباءنا. اللهم احفظ بحفظك نظامنا الإسلامي، وأصلح جميع ولاة أمورنا، اللهم اصلحني واصلح بي الغير، وأصلح ولاة أمورنا وأصلحبهم الغير، واهدني واهد بي الغير، واحفظ المسلمين من ظلم الكفار، اللهم احفظ مسلمي فلسطين، اللهم عليك باسرائيل اكسر اللهم شوكتهم، اللهم احفظ بحفظك جميع المسلمين في الدنيا.