لا نريد دموعاً.. نريد صواريخ [حملة عسكرية صليبية على التعليم الديني في أفغانستان]

بقلم الأستاذ مصطفى حامد (أبو الوليد المصري)

 

# طائرات العدو تقتل وتجرح 150 من خريجي وعلماء مدرسة دينية في قندوز.

# لا نطلب دموعا وشجباً، بل نريد صورايخ مضادة للطائرات؛ للدفاع عن أنفسنا وأولادنا ومدارسنا.

# المدارس الدينية والعلماء والطلاب، أهداف ثابتة للاحتلال الأمريكي.

 

هجوم جوي على مدرسة دينية بطائرات مروحية ظهرا، في وقت تخريج دفعة من حفاظ القرآن الكريم، واستشهاد وجرح حوالي 150 من الطلاب معظمهم من الأطفال، وعدد من العلماء والمدرسين وأهالي المنطقة والآباء. ذلك ما حدث في ولاية قندز شمال أفغانستان في الثاني من شهر أبريل 2018.

إنه حادث آخر، يضاف إلى قائمة طويلة لا تكاد تنتهي من الحوادث المشابهة التي يرتكبها الاحتلال الأمريكي وعملائه ضد أهداف مدنية مسالمة ذات طبيعة دينية خالصة. ونظراً لتكرارها المستمر فهي تعبير عن سياسة ثابتة (استراتيجية)، وليست حادثاً عارضاً ولا خطأً فنياً أو غير مقصود.

وهنا أسئلة تفرض نفسها على الجميع:

ـ ما هي دلالة الهجوم المستمر على المدارس الدينية؟

ـ ولماذا القتل المتعمد لأطفال وعلماء تلك المدارس؟

ـ ولماذا الإصرار على إحداث أكبر قدر من الخسائر البشرية، مثل ضرب مدرسة دينية ظهراً وفي ذروة الاحتفال بتخريج الطلاب وسط فرحة الأهالي بأولادهم، وسعادة الأطفال بإنجازهم، وسعادة العلماء بثمرة عملهم وكدهم وأداء رسالتهم المقدسة؟

فهذا الهجوم الفتاك بطائرات مروحية عسكرية في ذروة الظهيرة هو تطور مهم من ناحية الدلالات والنتائج.

فهو أكبر من جريمة قتل عمد لأطفال وشيوخ ومدنيين أبرياء. بل هو عمل إنتقامي يدل على حقد أسود وعزيمة على الاستئصال وليس القتل فقط.

فالغارات النهارية وبمختلف الأسلحة الأرضية والجوية تكملها غارات ليلية على القرى، وإخراج الأهالي إلى الساحات وإرعابهم بالكلاب المدربة على التهام البشر أحياء وموتى، ثم قتل وخطف العلماء وطلاب العلوم الشرعية. وكثيراً ما كانت الغارات الليلية بالقوات الخاصة المحمولة جوا تستهدف تلك المدارس وتقتل طلابها الساكنين بها. وتختطف منهم من تشاء وتنقلهم معها إلى حيث لا يدري أحد.

وسجون بولي تشرخي وقاعدة باجرام الجوية، وعشرات من السجون السرية السوداء زاخرة بأمثال هؤلاء إلى جانب آلاف المشتبه بهم الذين لا يدري بهم أحد، ويعاملون أحط أنواع المعاملة الوحشية. من بينهم أطفال وشيوخ وعلماء وأئمة مساجد، إلى جانب أسرى المجاهدين. فما معنى تلك السياسات وما هي الغاية منها؟

1 ـ إنها حرب مباشرة على الإسلام وبلا مواربة، وردع للشعب عن التعليم الديني.

2 ـ استهداف معنويات الشعب لإبعاده عن فريضة الجهاد.

3 ـ تلك الغارات تدعم التعليم الاحتلالي بشكل غير مباشر، وهو التعليم الذي يقتل الروح الجهادية لدى الشباب بتمييع مفاهيم الإسلام، متكاملا في ذلك مع النشاط الكنسي السري الذي ترعاه الدولة إلى جانب جيش الاحتلال.

# الحرب المباشرة على الإسلام أعلنها جورج بوش قبل أن تنطلق جيوش الاحتلال لتدمير أفغانستان وإسقاط نظامها الإسلامي. ولم يعد مجديا أي مجهود دعائي للعدو لنفي تلك الحقيقة، لأن جيوش العدوان تصرفت بذات الروح الصليبية التي أعلنها الرئيس الأمريكي من كدرائية أمريكية قبل بدء العدوان.

واستهداف الرموز الدينية (مدارس، مساجد، كتب دينية) واستهداف العلماء وطلاب الشريعة من جميع الأعمار خاصة الأطفال، يؤكد ثبات تلك السياسة لردع الشعب عن التعليم الديني وإرعابهم من عواقب ذلك للإبقاء على نوع واحد من التعليم الذي فرضه الاحتلال.

 

المعركة على العقول والقلوب:

بالسلاح يحاول المحتل الأمريكي تغيير معتقدات الأفغان، لأن التحامهم التام مع الإسلام جعل من المستحيل احتلالهم أو إخضاعهم، فقاوموا أعتى الإمبراطوريات وتغلبوا عليها.

فكان لابد من دق إسفين يفصل هذا الشعب القوي عن الإسلام الذي يدعو إلى مجاهدة الكافرين الغزاة، وعدم فتح البلاد لهم ولشرائعهم.

فالتعليم الديني في أفغانستان حافظ على المحتوى الجهادي للإسلام فكان من الطبيعي أن يستهدفه الغزاة. وكان ذلك واضحاً بقوة في تجربة الاحتلال السوفيتي ثم الاحتلال الأمريكي، مع فارق الأسلوب واتحاد الهدف. فالسوفييت عنيفون ومباشرون ـ والأمريكيون خبثاء مداهنون ـ ولكن عند استخدام القوة يكونون حيوانات كاسرة أكثر من السوفييت.

كانت المدارس الاحتلالية وقت السوفييت تركز في مناهجها على محاربة الدين ونشر الإلحاد بشكل مباشر. يقوم بذلك مدرسون شيوعيون ذوي عقائد عنيفة. فأثار ذلك غضب الأهالي وكانت أول خطوات الجهاد في أي منطقة هي إحراق المدارس الحكومية، ويطلقون عليها اسم (مكتب) وهي غالبا مبنية من الأسمنت والطوب الأحمر، أما (المدرسة) فيقصد بها المدرسة الدينية وهي غالبا مبنية من الطين، أو هي داخل المسجد نفسه.

وأثناء القتال كان العدو في العادة يتخذ من (المكتب) مركزا للقيادة الأمنية أو العسكرية. لذا ظل استهداف (المدرسة) هدفا جهاديا ثابتا.

حاول العدو تحريف معنى ذلك الاستهداف، ليوحي بأن المجاهدين (خاصة طالبان) يحاربون التعليم عامة، وتعليم الفتيات خاصة. وذلك صحيح حيث كانت مدارس البنات في العهد الشيوعي تجبرهم على نزع الحجاب والقيام بنشاطات مرفوضة دينياً واجتماعياً منها زيارة المواقع العسكرية الهامة وقضاء أيام هناك. لذلك كانت مدارس البنات مستهدفة بشكل أشد، ومنع الأهالي بناتهم من ارتيادها، حتى لو اضطروا إلى الهجرة خارج أفغانستان.

الأمريكيون الآن يركزون على فرض تعليمهم الاحتلالي على البنات وإبراز نماذج جديدة للنساء على النمط الأوروبي والمتمردات على الإسلام، من طراز المراهقة (ملاله يوسف زاي) من منطقة القبائل، والتي منحوها جائزة نوبل للسلام وفتحوا أمامها عنوة أبواب الشهرة والمجد، لتكون مثالا بين نساء القبائل على (مزايا) التمرد على شرائع الدين.

الجانب الآخر من الصورة، واستكمال لنفس الرسالة، جاءت سياسة تدمير المدارس الدينية بوسائل عسكرية، من طائرات ومدافع وقوات عسكرية، واستئصال العنصر البشري من العلماء إلى المدرسين والطلاب من جميع الأعمار، ومتابعتهم في مدارسهم ومساجدهم، ومداهمة بيوتهم وقراهم في غارات ليلية. فقتلوهم بلا رحمة وعذبوهم في سجون سوداء لا يعلم أحد مكانها، سوى عدد قليل من السجون التي تركت أماكنها معروفة، للعبرة والإرعاب.

# الاحتلال الأمريكي ـ بدعاياته الصاخبة ـ وأعوانه من المثقفين والإعلاميين الذين رباهم وفتح لهم وسائل إعلامية عالية الانتشار. نجح بهم في ردع المجاهدين عن كبح النظام الاحتلالي للتعليم كما فعل أسلافهم في مقاومة السوفييت ونظامهم التعليمي، وكما فعلوا هم أنفسهم في بداية جهادهم ضد الأمريكيين. وتلك غلطة كبرى ستظهر آثارها مستقبلا. فبعد زوال الاحتلال، سيترك المعركة كي يحاربها لمصلحته عدة ملايين ممن رباهم في مدارسه، وأثر في عقولهم وقلوبهم، فقَـلَّتْ حساسيتهم للاحتلال، مع ضعف (أو انعدام) الوازع الديني بفعل التعليم الذي تلقّوْه. فجميع البلاد التي احتلها الغرب ترك أمثال هؤلاء يكملون رسالته الثقافية وحراسة مصالحه الاقتصادية، وموالاته سياسيا، وعبادته ثقافيا.

وبتولي هؤلاء مقاليد الحكم وقيادة الدولة وتوجيه المجتمع، تستمر مأساة المسلمين وتخلفهم وتمزقهم، وتسود حياتهم الفوضى والعنف والحروب ومقاومة الإسلام بشكل دائم عبر آلاف من الوسائل المبتكرة، وتشويه صورة الدين وتجريم المتدينين، وينتشر تحقير العلماء وتوظيفهم في أداء خدمات دعائية للحاكم والدولة بما يخالف أصول الدين.

# الأمريكيون الأكثر خبثا من الروس لا يهاجمون الدين مباشرة، ولكن تقوم مناهجهم على (إحلال) مفاهيم جديدة في عقول الطلاب بديلا عن المفاهيم الإسلامية وبشكل جذاب. وكما فعل السوفييت فإن دور المدرسين كبير جدا في تسريب تلك المفاهيم في عقول الطلاب خاصة في الأعمار الصغيرة ومقتبل الشباب. فالمدرسون يجري إعدادهم بطريقة خاصة ويتشربون ما في مقرر الدراسة من مفاهيم معادية للدين، وفن تسريبها بأكثر الأساليب جاذبية وإقناعاً، تساعدهم كتب دراسية كتبها مختصون في علم النفس ومستشرقون.

 

ضرب الركيزة الشعبية للجهاد:

للمدارس الدينية دورها الهام في الحفاظ على الإسلام والمفاهيم الجهادية وتقاليد المجاهدين الأفغان المتوارثة عبر الأجيال.

# وللجهاد الحالي في أفغانستان خاصية فريدة هي اعتماده الكامل على الشعب الأفغاني في تزويده بكافة الاحتياجات. فمن الشعب يأتي المجاهدين الشباب، وتأتي الأموال، ويأتي الطعام، وتأتي المعلومات بكافة أنواعها، وتنتشر بيانات المجاهدين ونشراتهم المعنوية وتعليماتهم. المجاهدون تحت السلاح عدة الآف، والمجاهدون بذلك المعنى الشامل هم ملايين الشعب الأفغاني.

بهكذا وضع يستحيل هزيمة جهاد ذلك الشعب. والحل الأسهل أمام الاحتلال هو ردع الشعب وإبعاده بالقوة عن المجاهدين. وعندما تعظم خسائر المدنيين يأمل الاحتلال أن يقوموا ضد المجاهدين ويطالبوهم بوقف النشاط القتالي.

ولكن الكثير من القواعد والقوانين لا يمكن أن تسري في أفغانستان، ومنها قانون استخدام القوة المفرطه لردع الشعب عن الجهاد. فهي تأتي بعكس المطلوب إذ يزداد تدفق الشباب وحتى الشيوخ على الجهاد بعد أمثال تلك المجازر، وترتفع الروح القتالية والرغبة في الشهادة وإنزال الخسائر بالعدو.

فيجد العدو المحتل نفسه بين طرفي معادلة غير قابلة للحل:

فإما أن يترك الشعب على حاله فينمو الجهاد بوتيرة طبيعية منتظمة. وإما أن يستخدم القوة لردع المدنيين بالمجازر الرهيبة، فتكون النتيجة تصاعد حاد في وتيرة الجهاد. وخسارة العدو مضمونة ومؤكدة في الحالتين.

 

لا نريد عزاءً، بل صواريخ:

نشكر كل من تقدم بالعزاء لشعبنا في تلك الفاجعة في قندوز.

وذلك أضعف الأيمان. لأن هناك من تراقصوا فرحا وفخرا مثل القرود في بلاط الأعداء. ولكن الرثاء وحتى الشجب والتنديد ليست هي البضائع المطلوبة من الشعب الأفغاني. بل المطلوب هو صواريخ مضادة للطائرات. فلو أن هناك صاروخا واحداً في ولاية قندز كلها لما تجرأت مروحيات العدو على الظهور أو الطيران إلا في أعلى الارتفاعات.

في العام السابع أو الثامن للجهاد ضد السوفييت ظهرت صواريخ ستنجر في أيدي المجاهدين. وكان السوفييت قد أظهروا للأمريكيين صراحة أنهم بصدد الانسحاب من أفغانستان.

فسارع الأمريكيون إلى إدخال صواريخ ستنجر إلى أرض أفغانستان وذلك لأهداف:

1 ـ الإدعاء أن ذلك الصاروخ كان هو سبب نجاح المجاهدين وهزيمة الجيش الأحمر. وليس السبب هو المجاهد المسلم الذي ضحى بكل شيء دفاعاً عن دينه ووطنه. فهم يخشون إظهار ذلك العنصر المعنوي الخطير. لأن معاركهم الكثيرة القادمة مع المسلمين ستكون طويلة ومريرة ودامية، وضمانتهم للنجاح هي إبعاد الإسلام عن ميدان المعركة، وإبقاء المقاتل المسلم منعزلا عن دينه، فتسهل هزيمته مهما كان تسليحه وأعداد جيوشه.

2 ـ الدعاية للسلاح الأمريكي، في إطار السباق بين الدول الصناعية الكبرى، خاصة السوفييت، على أسواق بيع السلاح حول العالم. وهي التجارة عالية الربح، والأهم عندهم بعد تجارة المخدرات والنفط.

فكل حرب ينتج عنها دعاية تجارية واسعة لأنواع محددة من الأسلحة. فالسوفييت بعد حربهم في أفغانستان إشتهرت دوليا طائراتهم المروحية. ونافسهم الأمريكيون ـ بل أحبطوا دعايتهم تلك ـ بالدعاية لصواريخ ستنجر التي ادعوا أنها سبب الهزيمة الأوحد.

الآن وبعد سبعة عشرة عاما من الحرب الطاحنة، وعشرات الآلاف من الشهداء وملايين المهاجرين داخل أفغانستان وخارجها. والدمار الكبير في القرى والمزارع، والتلوث الواسع في البيئة، والاستخدام الموسع لطائرات الهيلوكبتر في ضرب المدنيين والمدارس الدينية والأسواق والقرى، وفي الغارات الليلية على القرى والمدارس، لا يجد الشعب الأفغاني المسلم ما يدافع به عن نفسه وعن فلذات أكباده من أطفال المدارس الدينية.

# هذا في الوقت الذي تخرج فيه (من أمريكا !!!) دعوات إسلامية تدعوا المسلمين بعدم القتال لنشر دينهم بالقوة! بينما نحن نريد ـ ولا نتمكن ـ من نشر ديننا بين أولادنا. وتمنعنا أمريكا بقنابلها وطائراتها، وبقواتها المحمولة جوا التي تهاجم المدارس والعلماء في بيوتهم ومساجدهم.

# هذا في الوقت الذي تحتل فيه دول إسلامية صدارة المستوردين للأسلحة على مستوى العالم أجمع. فلأي شيء اشتروا تلك الأسلحة؟ بينما شعوب إسلامية عديدة تسيل دماؤها أنهاراً.. من فلسطين إلى أفغانستان، وصولا إلى مسلمي بورما والفلبين.

# الشعب الأفغاني يناشد أمته الإسلامية:

لا نريد دموعا ولا رثاء.. نريد صواريخ مضادة للطائرات.. فقط لا غير.

 ومرة أخرى:

لا نريد دموعا.. نريد صواريخ من مخازن الدول الإسلامية المكدسة..

 فقط نريدها للدفاع عن أطفالنا وبيوتنا وقرانا.

عليكم الدمع.. وعلينا الدم.. ولنا الصواريخ.

 أعطونا الصواريخ ولا نريد منكم شيئا آخر.

 

وهذا بيننا وبينكم:

في الختام: نعلم أنكم لن ترسلوا لنا شيئا، فلو أراد الله بكم خيرا لأرسلتموها منذ زمن. لقد أقمنا الحجة عليكم. أما نصرنا فقد تكفل به رب السماوات والأرض، الذي أخبرنا في كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي تكفل سبحانه وتعالى بحفظة من التحريف والتبديل:

(كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) ــ 21 المجادلة ـ

(.. وكان حقا علينا نصر المؤمنين) ــ 47 الروم ــ

(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) ــ 14 التوبة ـ

وفي الأخير.. هذه لكم.. (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) ــ 38 محمد ـ

صدق الله العظيم