من ذاكرة خنادق القتال: مبارك عليك فتحُ قندوز يا زبير!

قصة والي قندوز الشيخ الشهيد عبد السلام بريالي والشهيد الأكاديمي زبير!

الكاتب: نجيب أحمدزي

 

يحكي عاصم أحد الأصدقاء المقرّبين ممن بقوا من بين أصدقاء الملا عبد السلام بريالي الإثني عشر، ما يلي:

أتانا شابّ قبل يومين من الفتح الثاني لمدينة قندوز بعد العصر وقد ربط على رأسه وكتفه منديلا. كان الملا عبد السلام “بريالي” يناديه بـ “زبير”، جلس معه في اجتماع خاص لنهاية وقت العشاء، ثم ذهب صديقه.

كانت الساعة الثامنة مساءً عندما قال لي البطل البريالي: عزيزي عاصم! سنذهب إلى ساحة المركز، شغّل الدراجة النارية، وخذْ بندقيتي وحقيبتي معك.

قلت له: سيدي الحاج! لماذا نذهب إلى المركز في هذا الوقت؟! الوقت ضيّق، ويبعد المركز عنّا مسافة ساعتين ونصف ساعة بالسيارة، وهو أمر لا يخلو من المخاطر.

فقال البريالي: سيدي عاصم! هناك مهمة ضرورية، إذا ذهبنا غدًا، سيضيع الكثير من الوقت.

بدأنا الحركة، وكانت الساعة العاشرة والنصف مساءً عندما وصلنا إلى قرية صغيرة تسمى “كنم”. فدعا المجاهد بريالي عبر اللاسلكي رئيس الفرقة العسكرية ومحافظ المنطقة العسكرية ورئيس اللجنة العسكرية والقادة العسكريين للحضور إلى مسجد وروكي فوراً. ولمّا اجتمع الجميع في المسجد، قال بريالي: خذ الجميع إلى دار ضيافة المولوي رحمت شاه، وجاء بريالي نفسه أيضًا إلى الاجتماع من المركز الثالث، وخاطب جميع المسؤولين قائلا: أعطاني شخص ما كل الخريطة الاستراتيجية والعسكرية والمعلومات الشخصية ونقاط ضعف العدو، لذلك ادعوا أصحابكم ليستعدوا للعمليات، فإذا عملنا وفق الخطة، سنغزو مدينة قندوز ونفتحها إن شاء الله.

استغرب المسؤولون كلهم وقالوا: هناك من نقصت ذخيرته، وهناك من ترك سلاحه في مكان آخر، فكيف نستعد للحرب في ساعة واحدة؟ قال بريالي: الوقت حرج، لدينا القليل من الوقت، يمكن لنا فتح مدينة قندوز بخطة هذه الليلة. ثم قال عبد السلام بريالي لأصحابه مرة أخرى: اتصل بالنظامي وأخبره أن يأتي بأمانتي. لما نادى النظامي، أجابه صديق النظامي قائلا: النظامي ذهب إلى بيته منذ دقائق قليلة. فقال له الشهيد بريالي: اذهب واتصل به وقل له أن يأتي فوراً!

بدأ صديقه بإعداد الذخيرة والأسلحة لأن النظامي كان بعيدًا. قال بريالي لأصحابه في هذا الوقت: تم تأجيل عملية هذه الليلة، لكن يجب أن تفكروا في أن السرّ مهم جدا! ولا بد من كتمانه، فلم أقدم أنا إلى هنا، ولم ألتق بكم، ولم أسمع شيئا، ولم أر شيئا. نظموا الأمور للغد، وجهّزوا أنفسكم ورفاقكم، واكتموا السر جيدا.

جاء النظامي ليلة الغد، وأتى بأمانة عبد السلام بريالي وهي (قاذفة 82 ملم) مع ثماني عشرة قذيفة. قام بريالي بتقسيم المواضع على المسؤولين، كما دعا مجاهدي “غورتبه” و”جهاردره”، وحدد لهم الأماكن والمواضع بالإشارة، وأعطاهما أوامر الوصول إلى الساحة، ووضع بنفسه قاذفة 82 على كتفه، وقال لي: أعط بندقيتي وحقيبتي باسم الله تعالى، وخذ قذائف القاذفة. فحملت إثني عشر قذيفة، وكانت ثقيلة جداً، فخفف بريالي القذائف، وترك لي أربع قذائف، وتحركنا نحو جهة المدينة.

ظلّ السرّ مكتوماً حتى الآن، ولما انتقل الأصدقاء، نادى البطل بريالي باللاسلكي العام وقال: لا تبدؤوا المعركة، ولا تطلقوا النار ما لم نبدأ نحن. أثناء ذلك اطلعت الحكومة العميلة أن المعركة على وشك البدء، فبدأوا الجولات في المدينة واستيقظوا، وكانت الساعة الرابعة صباحاً عندما بدأ بريالي بإلقاء القذائف على دبابات العدو بقاذفة 82 وانطلقت المعركة، واستمرت طوال النهار.

وفي منتصف الليل دخلت المجموعة الأولى بقيادة المجاهد عبد السلام بريالي نفسه إلى الساحة المركزية لمدينة قندوز. بدأ الأصدقاء يطالبون عبر مكبرات الصوت جنود الإدارة العميلة بالاستسلام، فجاء نفس الطالب الشاب “زبير”، وهو يحمل على ظهره الحقيبة، فصافحه البطل بريالي بحفاوة، وقال له: يا زبير! مبارك لكم فتح قندوز! وببركتكم حصلنا مرة أخرى على الشرف العظيم لفتح قندوز، فبكى الطالب الشاب، والأكاديمي المسلم “زبير” وقال: لم نفعل شيئًا، كان هذا من فضل الله وعونه. ثم ودعهم “زبير”، وغادر المكان.

ولم يكد ينفصل الأصدقاء بعضهم عن بعض حتى قصفت طائرة بدون طيار ساحة قريبة من الدوار، قال بريالي: أظنهم قصفوا زبير وقتلوه! وعندما ذهب الأصدقاء إلى مكان الحادثة، سألهم بريالي: من هم الشهداء؟ فقالوا: استشهد رجل لا نعرفه، ولكن على ظهره حقيبة خضراء. فذهب الشهيد البطل المجاهد عبد السلام بريالي فورًا، حيث وجد زبير مقتولاً وجسده الطيب على الأرض مثخن بالجروح، وكان الشيخ بريالي المجاهد قائمٌ على جثة من خطط لفتح مدينة قندوز، الفاتح الطالب الشاب زبير، يبكي ويهنئه على شهادته. تقبّلهما الله تعالى.