من مصاديق الصبر العملية في أرض الجهاد

mujahid

حكمت الله حكمت

 

لا يقل عدد المجاهدين الصادقين الذين يرون أنّ الصبر في ميدان الجهاد، والصبر والصمود في هذا الميدان محفوفٌ بالمكاره والشدائد والخطرات، ولا شك بأنّ الصبر في ميدان الجهاد يشمل الاستقامة وعدم الفرار من ميدان القتال ولكنه ليس كلّ ذلك، بل إنّ من مصاديق المهمة والحيوية في ميدان الجهاد والقتال أمام العدوّ، الصبر أمام الأهواء الذاتي والمنافع الشخصية. وطبعًا كل فرد ذو سليقة وميول وخصائص ذاتية تختلف عن سلائق وميول الآخرين، ولا مناص للوصول إلى الهدف المشترك إلا نبذ المنافع الشخصية والتمسك بما ينفع الجميع.

وإنّ صلح الحديبية أفضل مثال لإيضاح هذه المسئلة، وانعقد في هذه الواقعة حلف تاريخي بين المسلمين ومشركي قريش، وبعض بنودها كانت بخلاف عزة المسلمين وقوّتهم على ظاهر الأمر. وخالف ممثل قريش باستهلال الكتاب بـ بسم الله الرحمن الرحيم وكتابة النبي في وصف الرسول، فثار الدم في عروق الصحابة الأوفياء الغيارى كسيدنا عمر وعلي رضي الله عنهما، ورأوا ذلك خلافا لغيرتهما وشجاعتهما، ولكنهما انقادا واستسلما أمام إرادة زعيمهما الخبير والمحنّك.

وببركة هذه المعاهدة والحلف استطاع المسلمون تجديد قواهم من جديد، ووجدوا الفرصة لكي يسعوا لتبليغ الإسلام والرسالة الإسلامية. ولا يخفى من أحدٍ بأنّ المعاهدة والمفاوضات قد تكون بين القوى المساوية في القدرة، واضطرت قريش بهذه المعاهدة بالاعتراف بالرئاسة الإسلامية. ثم لمّا قوي المسلمون أكثر ضيّقوا الحصار ببركة إخلاصهم وجهودهم على المشركين، وفي نهاية المطاف طهّروا أرض الحجاز المقدّسة من لوث الشرك والكفر.

وعقد هذا الحلف للسلام في حينٍ أنّ عابدي الأصنام وقبائل اليهود عزموا قبل ذلك مرات عديدة استئصال شأفة المسلمين، لكنّ الله سبحانه وتعالىى خيّب مساعيهم في غزوة الأحزاب، فاعترفوا بجماعة كانوا قبل ذلك يريدون استئصالها بالكامل، وتعاهدوا بعدم القتال معها لمدّة عشرة سنة، وهي بمعنى الاعتراف بضعفهم وقوة الإسلام.

ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه وقائع أفغانستان الراهنة بماجرايات صدر الإسلام! احتلت عشرات القوات العالمية والأحلاف العسكرية بخدمها وحشمها أرض الأبطال والمغاوير، وساندها وأيدها معظم زعماء الجهاد السابقين، لكن غلبت إرادة الشعب في نهاية المطاف وهي إخراج المحتلين من البلاد وهي إرادة جميع آحاد الشعب الأفغاني المسلم.

فالمجاهدون الذين كانوا يعتقلونهم في الأمس ويودعونهم سجونهم وأهانوا بهم، اضطروا اليوم بالتفاوض معهم كي يجدوا سبيلًا للهروب من المستنقع الأفغاني.

فينبغي في هذه البرهة الحساسة على جميع آحاد الشعب ولا سيما المجاهدين بأن لا يسمحوا لأحد بأن يكتب مسيرتهم ولا يسمحوا لأحد التدخل في شؤونهم، فليكونوا على حذرٍ من خبث الأعداء ومكرهم لأيجاد الثغرة والشقاق في صفوف المجاهدين المتوحدة والمتينة. فينبغي للجميع الغلبة على الأحاسيس والعواطف وإطاعة الأمير ويجربوا من مصاديق الصبر العملية في أرض الجهاد.

فالآن قد نجح المجاهدون مرة أخرى واستطاعوا أن يهزموا محتلًا آخر في أرض الأبطال والرجال المغاوير، وفتحوا صفحة جديدة من النصرفي تاريخ البلاد الحبيبة، يتطلب من الجميع الوحدة والوئام حتى يرجع المجاهدون فاتحين منصورين بأقلّ الخسائر من المفاوضات، إن شاء الله.