نصّ خطاب وزير خارجيّة إمارة أفغانستان الإسلامية في المؤتمر التشاوري السياسي حول القضية الفلسطينية في طهران

نصّ خطاب الشيخ المولوي أمير خانْ متقي، وزير خارجيّة إمارة أفغانستان الإسلامية في المؤتمر التشاوري السياسي حول القضية الفلسطينية في طهران

[ديسمبر 2023 / جمادى الثانية 1445]

 

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الله تعالى في القرآن الكريم: «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير».

أخي الكريم السيد حسين أمير عبداللهيان، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية!

أعزائي السادة الوزراء!

العلماء والمشايخ!

الحضور الكرام!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بداية، اسمحوا لي أن أعرب عن امتناني لوزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث أتاحت لنا هذه الفرصة لمناقشة أهم وأبرز القضايا الإقليمية والإسلامية والإنسانية في هذه الأيام من خلال هذه المبادرة المسؤولة.

 

سادتي الأعزاء!

لقد التقينا نحن في وقت يستشهد في كل لحظاته، وربما في هذه اللحظة التي ألقي خطابا؛ شابّ فلسطيني يعيش في غزة، وتُفجع أم بولدها، ويُيتّم أطفال!

نحن الآن في اليوم الثامن والسبعين الذي تستمر فيه المجازر العشوائية والإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في غزة، والعالم الذي يدّعي احترام حقوق الإنسان والقيم الإنسانية والحرية والعدالة، يتفرج على هذه المجزرة والوحشية.

نحن نعيش في عصر فيه أعظم التناقضات! في عصر تتعرض فيه دول للعقوبات بحجة انتهاك حقوق الإنسان أو تُستخدم “حقوق الإنسان” وسيلة للضغوطات لأسباب سياسية، ولكن في الوقت نفسه هناك نظام يتجاوز كافة الحدود والقيم والمعايير الإنسانية بالإبادة الجماعية لشعب ولا يتعرض لأدنى اعتراض!

رغم وجود العشرات من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقضايا الإنسانية، قُتل ما يقرب من عشرين ألف شخص، أكثر من نصفهم نساء وأطفال، خلال ثمانية وسبعين يوماً، بينما تستخدم نفس هذه المواثيق في حالات أخرى كأدوات سياسية.

 

سادتي الأعزة!

في ظلّ هذا الوضع، هل يلبي النظام العالمي الراهن الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية احتياجات الإنسان في القرن الحادي والعشرين بكل هذه التناقضات؟!

فهل يمكن التلاعب بعقل إنسان القرن الحادي والعشرين بهذه السلوكيات المزدوجة والمعايير المتعددة؟!

أعتقد أنه لا يمكن أن يقتنع الضمير الإنساني الواعي والمستيقظ بمثل هذه السلوكيات المزدوجة، إننا بحاجة إلى نظام عالمي جديد يقوم على العدالة والمساواة، إلى نظام لا يتم فيه تجاهل حقوق أي إنسان أو شعب ولا يتم فيه الاستغلال السياسي للقيم والمبادئ، نحتاج إلى نظام عالمي جديد يجلب الأمن والعدالة والاستقرار للعالم.

سواء أردنا ذلك أم لا، سواء صرحنا به أم لم نصرح، لا يمكن أن يبقى ضمير إنسان اليوم نائمًا بعد كل هذه التناقضات.

بعد الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة وإطلاق يد الكيان الصهيوني حرة في ارتكاب الجرائم، أصبح هذا التناقض الكبير أوضح من أيّ وقت مضى، وأصبح الاتجاه نحو التغيير في النظام العالمي يعدّ أمرا محتومًا في ظلّ هذا الوضع المتناقض المزدوج.

من المضحك والمثير للسخرية أن أرى بلادي أفغانستان، بعد أكثر من أربعة عقود من الغزو الأجنبي والحرب والفوضى، تخطو خطوات نحو الأمن والاستقرار، لكنّها تتعرّض فورّا للعقوبات بذريعة “حقوق الإنسان”! فكيف يمكن للمواطن الأفغاني أن يتماشى مع هذه المعايير المزدوجة؟!

إن إمارة أفغانستان الإسلامية كقوّة شعبية نهضتْ من بين الشعب الأفغاني واستطاعتْ أن تنهي احتلال أمريكا والناتو الذي دام ۲۰ عاماً في أفغانستان بعون الله تعالى وصمود الشعب المجاهد وبطولاته؛ تدرك اليوم آلام ومعاناة الفلسطينيين بكافة وجوهها، ونحن الذين كنا ضحايا التناقضات الدولية منذ سنوات طويلة، نعتبر أنفسنا شركاء في معاناة الشعب الفلسطيني المسلم أكثر من أي شعب أخر.

نحن نعتقد أن قضية فلسطين لا تقتصر على الشعب الفلسطيني فحسب، بل هي قضية عربية وإسلامية، وهي قضية إنسانية أيضا، فلا يمكن لأي إنسان حرّ يؤمن بالعدالة والقيم الإنسانية أن يتفرج على الفظائع التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني!

 

أيها السادة!

إن إمارة أفغانستان الإسلامية، كجزء من الأمة الإسلامية، تدين دائما الجرائم المستمرة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة وفلسطين المحتلة، وتعتبر نضال الشعب الفلسطيني خياراً مشروعاً وقانونياً يستند إلى نصوص الشريعة والقوانين الدولية.

تريد إمارة أفغانستان الإسلامية، باعتبارها حامية القيم الإسلامية ومن الحكومات المؤثرة في العالم الإسلامي، أن تقوم بدور أكثر تأثيرًا في إنهاء الجرائم المُرتكبة بحق الشعب الفلسطيني البريء على يد الكيان الصهيوني وتحميل الكيان الصهيوني مسؤولية جرائمه وإبادته، وعلى العالم الإسلامي أنْ يتوحّد ويحوّل صوت حرية فلسطين إلى خطاب بارز، وأن لا يسمح باختلاف وجهات النظر السياسية أن تؤثر في هذه القضية سلبًا.

لا شك أن مبادرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم جديرة بالثناء، كما أن الدبلوماسية النشطة للحكومة القطرية في تبادل الأسرى ووقف الحرب لمدة أسبوع أمر يستحقّ الثناء، ولكن لا تزال هناك حاجة إلى أنْ تقوم المزيد من الدول والحكومات للعمل في المنطقة حتى نتمكن من إيقاف القتل العشوائي للشعب الفلسطيني المضطهد، وينبغي أن تستمر هذه الجهود إلى أن يتم حل القضية الفلسطينية بشكل دائم وعادل، الحلّ الذي يؤدي إلى حصول الشعب الفلسطيني على دولة تُقام على أرض فلسطين التاريخية وعاصمتها مدينة القدس الشريف، وإنّ إمارة أفغانستان الإسلامية على استعداد لمرافقة العالم الإسلامي في هذا الأمر الإنساني والإسلامي.

أشكركم وأشكر مرّة أخرى وزارة خارجية جمهورية إيران الإسلامية على إتاحة هذه الفرصة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته