الاستثمار في أفغانستان.. مَن سبق شمّ الحبق

حمزة تكين ـ صحفي تركي

 

طالما تعمّد الإعلام -وعن قصد- تشويه صورة أفغانستان، والنيل من شعب هذا البلد الذي لم تستطع كبرى قوى الأرض أن تفرض عليه ما تريد بخلاف إرادته، ولكن الحقيقة مغايرة تماما لتلك الصورة التي انساق كثير منا خلفها وصدقها لأنها -وحسب زعم هؤلاء- من “إعلام عالمي معتبر”!

 

إنها سذاجة واضحة أن نصدّق هذا الإعلام الذي يعمل ليل نهار بازدواجية معايير واضحة بعيدة كل البعد عن مفاهيم الصدق والموضوعية والإنسانية والحريات التي يدّعيها. أمس كانت أفغانستان ضحية هذه الازدواجية المقيتة بالمعايير، واليوم نشهد أمام أعيننا الازدواجية نفسها، ومن الإعلام نفسه، تجاه ما يحصل في قطاع غزة، ما يحصل هناك هو عدوان إسرائيلي على المدنيين، وهذا واضح جدا جدا، ولكن الإعلام الذي شوه صورة أفغانستان يكذب علينا اليوم ويحاول أن يجمّل صورة الاحتلال القائم على أرض فلسطين.

 

لذلك وبخلاف ما يكذب الإعلام، فإن أفغانستان بلد عريق قائم في منطقة جغرافية استراتيجية، شعبه شعب طيب خلوق يكرم الضيف ويحترم الصديق ويقدّر من يبادله مشاعر المحبة والتقدير، شعب يحاول اليوم أن ينفض عنه آثار الخراب والدمار والفوضى التي تركها الاحتلال الأمريكي خلفه.

 

خلال جولتنا الأخيرة في أفغانستان، جلنا في كثير من المناطق ولم نر مشاهد التنمية التي كان من المفترض أن يقوم بها الاحتلال الأمريكي على مدى عشرين عاما من تواجده في هذا البلد، علمًا أنه جاء إلى هنا بحجة “الحريات والديمقراطية ودعم الشعب وإرساء التنمية والتطور”!

 

جولتنا كشفت لنا أن كل ادعاءات ذاك الاحتلال كانت فعلا مجرد أكاذيب، بل على العكس، تعمد الاحتلال الإضرار بالتنمية والبناء والتطور في أفغانستان، ولذلك يحاول هذا البلد أن ينهض من جديد بعد أن لفظ أوساخ احتلال أمريكا له.

 

فهل أفغانستان اليوم آمنة لاحتضان المستثمرين الأجانب والضيوف الأجانب من زوار وسياح؟ الجواب: نعم آمنة بكل تأكيد، بل آمنة أكثر من كثير من دول العالم الأخرى، وهذا ما شهدناه وخبرناه وتعايشنا معه لأيام وأيام في مناطق عدة في هذا البلد، خلال زياراتنا السابقة وخلال زيارتنا الحالية، ونعتقد أن الأمر نفسه، بل وأفضل منه سنعايشه في زياراتنا المقبلة.

 

هذا الوضع الأمني المستمر الذي يمكنك ـ حتى كأجنبي ـ أن تتنقل بين كافة ولايات أفغانستان دون أن تتعرض لأي خطر أو مضايقات، سيساهم بكل تأكيد مساهمة كبرى بتسريع نهضة وتنمية هذا البلد، فضلا عن جذب المستثمرين الأجانب الذين عادة ما يسألون في البداية عن الأمن قبل البدء بأي استثمار هنا أو هناك.

 

خلال هذه الجولة التقينا بالعديد من المستثمرين الأجانب داخل أفغانستان، الذين سردوا لنا قصص نجاحهم هنا، ومخططات توسيع استثماراتهم في مجالات الصناعة والمعادن والبنى التحتية والسياحة من مطاعم ومقاهي وغيرها.

 

وإلى جانب سماعنا من المستثمرين، التقينا العديد من المسؤولين في الحكومة الأفغانية الحالية لنسمع منهم حقيقة الأمور والأوضاع، ورغم استفساراتنا الكثيرة وأسئلتنا الحساسة ـبحكم العمل الصحفي- إلا أنه دائما كان هناك أجوبة مقنعة مدعّمة بأرقام ووثاق ومخططات ومشاريع ورؤى وأهداف، وهذا ما يبعث على الطمأنينة؛ أن أفغانستان تسير في الطريق الصحيح نحو نهضة حقيقية رغم كل المعوقات والصعوبات، ولكن النهوض الحقيقي العظيم لا يكون إلا من بين الركام ولا يكون إلا لأهل العمل، وهذا هو الحال هنا.

 

الفرص الاستثمارية في أفغانستان كثيرة جدا، والترحيب من أهل أفغانستان بالمستثمرين الأجانب واضح وجلي وكبير، وبالتالي هي فرصة للراغبين بالاستثمار ليفيد ويستفيد.. ولو كان لدي المال الكافي للخوض في مجال الاستثمارات لكنتُ أول المستثمرين هنا في أي مجال من المجالات.

 

وفعلا كما يقول المثل العربي الشهير “من سبق شم الحبق”، والحبق هو الريحان المعروف برائحته الطيبة الجميلة المميزة، أي من يسبق تجاه هذه النبتة ينعم برائحتها الطيبة.. وعن الاستثمار في أفغانستان نقول “من سبق أفاد واستفاد”.

 

نختم بالحديث عن تركيا، تركيا التي تشجع مستثمريها على الاستثمار والعمل في أفغانستان، وهناك فعلا الكثير من الأتراك الذين لديهم مشاريع ناجحة في أفغانستان، فضلا عن كثيرين منهم يتحضّرون لبدء مشاريع جديدة في مناطق أفغانية عديدة.

 

هذا التوجه التركي يؤكد اليوم أن تركيا تنظر نظرة إيجابية لأفغانستان وشعبها بكل أطيافه، وتعمل كل ما بوسعها لدعم هذا البلد في مختلف المجالات والقطاعات، فالعلاقات التاريخية بين تركيا وأفغانستان تمتد لمئات السنين وهي أعمق بكثير من أن تتأثر بأمور عابرة.

 

وقريبا إن شاء الله سيكون هناك خطوة تركية مميزة لدعم أفغانستان في مجال الاستثمارات وتوسيع هذا الأمر. أما تفاصيل هذه الخطوة فسنراها معا تتجسد قريبًا جدًا على أرض الواقع.