الجنرال الفار من فاریاب

azaeem

إنّ الذي نحن بصدد أن نتكلم عنه جنرال لم يدخل فصول الدراسة إلا فصلاً واحداً وفقما اعترف بنفسه، ووصفه الناس بأنه عامي(!)، تخصصه كان في مسابقة حمل العنز، إلا أنه بفضل خدمة الأجانب من الروس والأمريكان والحروب الطويلة بأفغانستان نال رتبة الجنرال.

وفي عهد الاحتلال السوفييتي، تفاقمت خسائر الدب الأحمر أكثر مما كانوا يتصورون، واستيقن جنرالات الروس بأنهم لن يقدروا على تحمل المزيد من الخسائر في الأرواح، فسعوا إلى صناعة حفنة من المرتزقة يقاتلون بدلاً عنهم بثمن بخس دراهم معدودة.

وفي ذلك الحين اشتهر محارب مرتزق شمالي البلاد وكان اسمه عبدالرشيد دوستم مع آلاف من المتمردين المحاربين الحفاة العراة، لا يملكون قوت يومهم، وكانوا فقراء مساكين، فدخلوا المعارك لأجل لقيمات يسدون بها رمقهم.

وكان عبدالرشيد منذ اللحظة الأولى وحتى الآن مشهوراً بأنه محارب عميل، أمضى عقوداً في هذا الطريق، لم تغادره العمالة يوماً ما، ولم يقاتل دوستم لنفسه يوماً ما، وإنما قاتل إما لصالح الروس أو عمليهم الشيوعي دكتور نجيب، أو لأجل الباغي الهالك مسعود، أو كما هو الآن يقاتل لأجل أشرف غني.

وعندما هرب السوفييت من أفغانستان، سلموا عميلهم المحارب أي دوستم إلى الدكتور نجيب، واستطاع الدكتور نجيب بدهائه أن يستفيد من ميليشيات دوستم كقوة عسكرية قوية طيلة فترة حكومته.

فبدءاً من مضيق واغجان في سمنجان إلى مضيق فرخار تخار، ومن كوتل سبزك بادغيس إلى ستوكندو ببكتيا، ومن شعاب كونر إلى صحاري قندهار وزابول لا تجد بقعة من أفغانستان إلا وفيها قبور لأجساد ميليشيات دوستم.

ولم تكن لهذه الميلشيات خبرة قتالية أو تعليمات عسكرية حتى أنهم لم يكونوا يتقنوا رمي أر بي جي، ولهذا السبب كانت خسائرهم أضعافا مضاعفة، فآلاف الشباب من ولاية فارياب وجوزجان وسربل فقدوا أرواحهم مقابل أجرة معدودة، وأما دوستم الذي يدعي أنه محامي قبائل الأوزبك كان كلما أُخبر عن الخسائر الضخمة في صفوفه كان يقول: لابأس فإن نساء – قبيلة – أوزبك يلدن الأولاد في السنة مرتين!

وهذا العميل حارب سنوات لصالح الدكتور المصلوب نجيب، ثم تحالف مع مسعود وأسسا ائتلاف الشمال، وفي تطور عجيب اصطف دوستم إلى جانب مسعود وأعلن الحرب على الدكتور نجيب، وكان قبل ذلك قد فقد المئات من جنوده قتلى في قتاله في مضيق فرخار ودند الشمالي لصالح الدكتور نجيب عندما كان يقاتل مسعود، والآن اتحد مع مسعود ويقاتل نجيب الله.

وبعد سيطرة مسعود على كابول، كان الجنرال دوستم دوماً في خدمته كقوة حاسمة، ويقاتل لصالح مسعود كعبد أجير له ولأهدافه ومطامعه، وفي المقابل لم يكن مسعود يعبأ به حتى أنه لم يكن يسمح لدوستم أن يدخل قواته العسكرية الجديدة في كابول.

وبعد شهور من الائتلاف مع مسعود، انقلب انقلابة غير معهودة، فخالف مسعود واتحد مع حكمتيار، فانقرض ائتلاف الشمال، وأوجدوا شورى. كم هو عجيب أمر دوستم؛ لأنه كان حتى فترة بسيطة يقاتل حكمتيار وكان يقول إنه عميل لمخابرات باكستان، والآن أعطى لجامه ذلك العميل وأصبح يقاتل مسعود، وبدأ دوستم تصفية تلك المناطق التي فتحها لمسعود، مرة أخرى لحكمتيار، وأراد أن يسترجع مطار كابول وتبه مرنجان من مسعود لصالح حكمتيار.

ولم يعبأ أحد بدوستم طيلة عقد ونصفه كمحارب مخلوع السلاح، لكنهم اعتنوا به مرة أخرى في العام الماضي، فالعميل الأمريكي أشرف عني عندما رأى الأحزاب الجهادية قامت أمامه اضطر للاستفادة من دوستم.

لم يستفد أشرف غني من دوستم في كسب الآراء فحسب؛ بل أرسله إلى شمالي البلاد كي يقاتل المجاهدين في ولاية فارياب، فطبّل دوستم وزمّر ووسط الضجيج والضوضاء الإعلامي ذهب إلى شمالي البلاد، ووعد بأنه سيبقى في الشمال حتى يقتل آخر طالب موجود هنالك.

كان دوستم يظن بأنه كما في السابق سيواجه الطالبان الذين أتوا لقتاله من شمالي البلاد، ولكن عندما وصل إلى قيصار وفارياب رأى بأم عينيه أن هذه المناطق ثارت عليه وقامت قومة رجل واحد، وهناك ثورة شعبية ضد الحكومة.

و أدرك دوستم في هذا السفر بأن مجاهدي فارياب ليسوا من البشتون وساكني جنوبي البلاد بل إنما هم من الأوزبك والتركمان والعرب والطاجيك الملتزمين ومن ساكني شمالي البلاد الذين قاموا أمام المحتلين الأمريكيين وأذنابهم العملاء ويمضون في قتالهم في إطار شؤون الإمارة الإسلامية.

كان دوستم يظن أن أهل فارياب سيستقبلونه بالأزهار والورود والرياحين إلا أنه لما وصل إلى قرى قيصار نصب المجاهدون المحليون له الكمائن فهرب بصعوبة بالغة لشدة المواجهة. وبعد مضي أسابيع على الهزيمة الساحقة، قام دوستم بمناورة إعلامية حيث أرسل صوره وهو مدجج بالسلاح ووسط المدرعات العسكرية في فيسبوك، وبدأ بالحوار، وتحدث زوراً ودجلاً كيفما شاء ليغطي حقيقة هزيمته على الجماهير.

وبعد الهزيمة والفرار من فارياب، قام بالسفر إلى محافظة سربل، واحتل قرية تدعى أستانه إلا أن المجاهدين طهروها من لوث مجرمي ومليشيات دوستم في نفس اليوم، وقُتِل 25 من ميليشيات دوستم، وقد أقلق هذا الخبر دوستم فقام بإنهاء مهامه القتالية قبل اليوم الموعود، وفرّ على متن طائرة مروحية إلى كابول.

ورجع دوستم ووصل إلى كابول في حين أن الطالبان صاروا أقوى من قبل في ولاية فارياب وفتحوا مناطق أخرى، وفي يوم فرار دوستم إلى كابول استطاع مجاهدوا الإمارة الإسلامية أن يفتحوا مناطق مهمة وهي منطقة خواجه كنتي وأخرى أخترجان بازار وجهارشنبه، وكبدوهم خسائر فادحة.

وقد تحدث الجنرال الفارّ بترهات وأكاذيب في مؤتمر عقد بكابول، وقال بأنه تصدى لسقوط ولاية فارياب، إلا أنه لم يستطع أن يواري قلقه واضطرابه، وهذا الذي أدى إلى أن يطلب المساعدة العسكرية من أسياده السابقين (الروس).

وقد افترى فرية ظاهرة حيث قال في هذا المؤتمر الصحفي بأن زعيم الإمارة الإسلامية الجديد (الملا أختر محمد منصور) كان سجيناً عندنا ويتجسس لنا، ويكذب دوستم هذا الكذب في حين أن الملا أختر محمد منصور لم يسجن لديه أصلاً. وهذا الكذب المفضوح جعله أضحوكة لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فسخروا منه وصنعوا له رسومات ساخرة.

وهكذا فشل دوستم في مهامه القتالية وهرب صفر اليدين دون إنجازات تذكر.