حكایة رُغاء البعیر أثارت إعجابي!

من المعلوم أنّ الحرب التي ناشبة أظفارها علی ثری الأفغان؛ الشهداء في وسط الطریق…
فماثل للعیان لذي عینین بأنّ كثیراٌ من هذه العوائل یعیشون عیشة المسكنة والفقر، فهم أحوج الناس لمن یتقدم إلیهم بالتبرعات والصدقات.
وربما سألت مسئول رعایة الأیتام في بلدتي ماذا قدمتم للأیتام بعد عید الأضحى إلی الآن؟
فقال: مع الأسف البالغ إننا لم نوفق بعد العید الأضحى أن نساعد الأیتام بعد الأضحى إلا مرتین، مرةً قبل شهرین، وأما المرّة الثانیة فقبل أسبوع.
یا سلام! ما هذا الجفاء بحق من أرخصوا بأنفسهم في سبیل الله، ثم هذا التهاون والتغاضي من المسلمین، الذین یبخلون بأموالهم علی من قد منّوا علی البشریة في العصر الراهن، والقابضین علی الجمر.
فمن هذا المنطلق یعجبني أن أنقل لكم ما حدث مع هؤلاء الإخوة والبعیر الذي تبرعوا به علی أسر الشهداء، فربما یثیر إعجابكم كذلك!
یقول الأخ محمد قام متبرع جزاه الله خیراً باشتراء بعیر لأسر الشهداء، فأعطی مالاً إلی الأخ المسئول كي یقوم بمهمة توزیع لحوم الإبل علی هذه الأسر الكریمة، فیذهب الأخ ویشتري بعیراً، ویقول الآن لا یمكنني أن أذهب به ولكن سآتي بسیارة أخری لانتقاله؛ فیقول البائع لا بأس.
یقول الأخ محمد: قد رأیت بائع هذا البعیر- وكنّا نعرفه من قبل- فسألني: من تبرع بهذا البعیر ولمن؟
قلت: لماذا؟
قال: معي وهذا قصة عجیبة!
قلت: لو قصصتها لي؟
قال: طیب سأقص لك منها ذكراً.
إن هذا البعیر كان بعیري، وكنت أحبه حبّاً جمّاً، ومنذ سنتين یأتي المبتاعون إليّ لاشترائه، وأنا أرفض لمقام حبه في قلبي، ولكن الیوم لا أدري لماذا بعته، مع أنني قد نقصت من قیمته كذا – وعدّ مقداراً باهظاً- ثمّ الأعجب من ذلك كله، عندما تمّ البیع لم یذهب صدیقكم به؛ بل قال لي: لا یمكنني الآن أن أذهب به وسآتي لاحقاً لأذهب به. فقلت لا بأس، ولكنّه لمّا ذهب أخذ البعیر من الصبح یرغو برغاء شدید ولا یصمت حتی أتی صدیقكم عند العصر، ولمّا جاء صدیقكم بالسیارة، هدأ البعیر وسكت!
فعلمت أنه من قد تصدق بهذا البعیر أراه قد قبل الله – إن شاء الله – صدقته.
عندما سمعت هذه القصة، أخذتْ فرائصي ترتعد، وجلدي یقشعر، فصرت أتفكر في هذا الأمر وأتأمل، وحق أن یتأمل فیه المتأملون، لماذا یستعجل البعیر أن یكون قرباناً لأسر الشهداء؟
لمَ یبكي ویئن؟؟
هل خاف بأن یذهب هذا المشتري إلی مكان آخر، ویشتري بعیراً سیكون بعد ساعات ودقائق، قرباناً لأسَر الشهداء وعوائلهم؟!
أم كان خائفاً أن یشتریه مشتر آخر الذي ربما یشتریه لعرس أو فرحة وسرور، فیكون مطعماً لأفراد لا یعیشون مع واقع أمتهم، یقضون أیامهم بلا هدف، وهم صباح مساء وراء الملذات والنزهات…
لیت شعري لو كان معي حوار مع هذا البعیر فأسأله: قل لي بربك یا بعیر لمَ تستعجل الموت قبل أوانه، وتشكو لذلك وتئن، مع أنك لو ذبحت الآن لتصیر یوم القیامة هباءً منثوراً، یمكنك في هذه الدنیا أن ترتعي أكثر من هذا لو حییت، ولكن لیس لك في الآخرة حیاة ولا نشور؟
أكاد أجزم بأنه لو كان ینطق، یجیبني بلا إمهال أو تردد: یا رجل! أو لا تدري بأني سأذبح لأطفال كئیبین، قد أضناهم الجوع منذ شهور، ولهم أمة تزید عن الملیار ونصف ملیار، ولكنها تبخل برمتها عن إیصال فتات موائدهم الملونة إلیهم، فلا أحد یواسیهم، أو یبادلهم التحایا بعد مقتل أبیهم… یا رجل! أي فخر أكبر من هذا بأن أشمخ برأسي یوم القیامة، وافتخر هاتفاً: قد شبعتْ لحومي أسر شهداء بلدة برمّتها بضعة أیام…