كان الأقصى ولم يزل…ولن يكون “المعبد”

608054393

608054393

هشام يعقوب (رئيس قسم الأبحاث والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية)

46عاماً على ذكرى إحراق المسجد الأقصى.48عاماً على احتلال كامل القدس والأقصى.

سنوات عجاف مرت على الأقصى منذ احتلاله عام 1967، وإحراقه عام 1969. لم تزل نار الاحتلال تشتعل في قدسيته، وتحرق طهارته، وتحاول القضاء على رمزيته التي توّجتْه مَعلمًا وفيصلًا يُفصَل به بين الحق والباطل، فمن نصره فهو على حق، ومن خذله وترك نار الاحتلال تلتهمه فهو باطل على باطل.

لماذا الأقصى؟

سنوات الاحتلال الطويلة للقدس جعلت الاحتلال في صراع وجوديّ، ومأزق عميق. فرغم ما قطعه الاحتلال من أشواط في سبيل تهويد القدس وتحويلها إلى “أورشليم اليهودية” كعاصمة لكيانه، إلا أنه لا يزال يشعر بأن جوهر حلمه لم يتحقق وهو أن تكون القدس عاصمة يهودية المعالم والسكان. عوامل كثيرة منعته من تحقيق حلمه الذي يرتكز في الصميم إلى فكرة بناء المعبد المزعوم، غير أن المسجد الأقصى بحضوره الرمزيّ، وشموخه التاريخيّ، ودلالته الدينية، هو العقبة الأصعب والأمتن التي تقف في وجه “حلم أورشليم”، وسراب “المعبد“.

في كل يومٍ يستفيق فيه الإسرائيليون ولا يرون “المعبد”، تعود بهم ذاكرتهم إلى الوعود الكاذبة التي جُلبوا على أساسها من كلّ فجٍ عميق ليشهدوا إعادة بناء “المعبد” في قلب “أورشليم اليهودية” عاصمة “إسرائيل الكبرى أرض الميعاد”، فيدركون أنهم في مسلسل طويل من الكذب والفشل والوهم.

وفي كلّ يومٍ يسمع فيه الإسرائيليون أذان الأقصى يتسلل بين أحياء القدس خمس مرات يوميًّا، يتأكدون أن هذا الصوت، وهذا المسجد، يذكرهم خمس مراتٍ وأكثر بحقيقتهم المرّة بأن القدس لم تزل هي القدس عربيّة الصوت والصورة واللون والرائحة رغم تشويه التهويد، وأن الأقصى لم يزل هو الأقصى ولن يكون “المعبد” رغم كل التدنيس.

اليوم

لم يزل الأقصى يشكل شرارة التفجير، ولكلّ متابع أن يرصد تصريحات قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وتوصيات هؤلاء للقيادات السياسية بعدم اقتحام الأقصى واستفزاز المسلمين الذين يثورون بحجارتهم، وزجاجاتهم الحارقة، وإبداعات طعنهم، ودهسهم…كالسيل في أروقة القدس كلما تعرض الأقصى لتدنيس هؤلاء، فيعجز الاحتلال عن تجنيب جنوده ومستوطنيه وأمنه واقتصاده ثأر “الذئب الوحيد” كما يحلو لبعض الكتّاب الصهاينة أن يطلق على الثائرين الغاضبين في القدس.

واليوم

تتعزز القناعة الإسرائيلية بضرورة إزالة هذا المكان المُقلق من الوجود ولكن بأقلّ خسائر ممكنة، وإذا كان من الصعب فعل ذلك الآن، فلا بدّ من نزع هيبة المسجد ورمزيته وحصريته حتى يصبح كومة حجارة قديمة لا تعني للمسلمين شيئًا، ولا تستفزّ مشاعرهم وعاطفتهم التي طالما تحرّقت شوقًا وحزنًا على أولى القبلتيْن، ومسرى النبيّ الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم، وتاج سورة الإسراء الشريفة، ومنبع البركة والقدسية.

واليوم

نحو 50 حفرية إسرائيلية تتشعب أسفله وفي محيطه.

عشرات الكُنُس والمراكز والمتاحف والحدائق اليهودية المزروعة في محيطه تنافسه على شموخه الذي كان مشرئبًّا وحيدًا في فضاء القدس، ويسعى أصحابها المحتلّون ليقولوا من خلالها: نحن هنا، ولنا تاريخنا ومعالمنا اليهودية، ولم يعد الأقصى وحده يشكل رمز حصرية المشهد العربي والإسلامي للمكان!.

يسعى الاحتلال لتقسيم الأقصى بين المسلمين واليهود زمانيًّا ومكانيًّا.

تتنافس الأحزاب السياسية الإسرائيلية على تقديم مشاريع تقسيم الأقصى على طاولة الكنيست.

تجتمع “منظمات المعبد” وتؤازر بعضها لتكثيف الاقتحامات وتنظيمها.

تمنع شرطة الاحتلال المصلّين الذين تقلّ أعمارهم عن 50 عامًا في كثير من الأحيان من دخول الأقصى، في حين تشرّع أبوابه للمقتحمين المعتدين.

تعتدي شرطة الاحتلال على المرابطين وموظفي الأوقاف والحراس في الأقصى وتعتقلهم وتبعدهم في محاولة لضرب حالة التصدي للمقتحمين والرباط والاعتكاف في الأقصى، وفي محاولة لفضّ حلقات العلم التي يعقدها الفلسطينيون في مصاطب الأقصى وباحاته بهدف العلم، والتربّص لأفواج المقتحمين.

يسعى الاحتلال إلى إصدار قرار باعتبار المرابطين والمرابطات في الأقصى “مجموعات إرهابية” مدعومة من الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني أو من حركة حماس. وهذا القرار في ما لو نُفّذ فإنه سيكون من أخطر إجراءات الاحتلال لقطع المدد البشري عن الأقصى تمهيدًا لاستباحته بحرية مطلقة من قبل أفواج المقتحمين.

تمادت شرطة الاحتلال في الاعتداء على المرابطات، ووصل بها الأمر إلى حد نزع حجابهنّ واعتقالهنّ وتغريمهنّ وإبعادهنّ.

شتم المتطرفون اليهود منذ أسابيع قليلة النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم عند أبواب الأقصى على مرأى ومسمع الكاميرات، وبحماية من شرطة الاحتلال.

هذه نماذج من الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى. وكلّ ذلك قابل للزيادة والتصعيد ما لم يشعر الاحتلال بحالة ضغط عليه، وأنه لم يعد بإمكانه فعل ذلك من دون حسيب أو رقيب، ولنا أن نتعلم من دروس الهبة الشعبية التي انطلقت شرارتها في القدس بعد إقدام المستوطنين المتطرفين على خطف الطفل المقدسي محمد أبو خضير وإرغامه على شرب مواد حارقة ومن ثَمَّ إحراقه حيًّا في 2/7/2014، هذه الهبة جعلت الاحتلال يقف على رجل واحدة، عينه لا تنام خشية من “ذئب القدس الوحيد”.