نساءٌ لا بواكي لهنّ

في 16 ديسمبر من العام الماضي قامت مجموعة من الأشخاص باغتصاب الفتاة بشكل جماعي في الهند مما أثار غضب الملايين من الهنود بسبب اغتصاب تلك الفتاة الهندوسية وخرجوا في تظاهرات حاشدة استنكارا لهذا العمل الشنيع وتضامنا مع الضحية المتوفية.

لكن ومع الأسف الشديد عند المسلمين لم تتحرك نخوة إسلامیة واحدة لمئات إن لم يكن ألوف المغتصبات في سوريا والعراق، وأفغانستان و…

أليس العراق وأفغانستان و… أرض الإسلام والمسلمين ونساؤها مسلمات عفيفات طاهرات؟ لماذا لم تثور الشعوب المسلمة ولم تغضب وصمتت عن انتهاك الأعراض والقتل على الهوية وغيرها؟! هل الهندوس أكثر غيرة ونخوة منا؟!

يا أمة المليار ونصف المليار إن كنت لا تعلمين بذلك ولم تسمعين به فتلك مصيبة، وإن كنت تعلمين بذلك فالمصيبة أعظم.

يا أمة المليار ونصف المليار.. ما بالكم.. أين غيرتُكم؟!

أين حسَّكم الإسلامي؟!

أين الشعور بالجسد الواحد الذي رسمه النبي صلی الله علیه وسلم بقوله: تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى. {صحیح البخاري/6011}؟!

أين تمعُّر الوجوه؟!

أين عاطفتكم؟!

ألا نتحرك ونرى هذه المنغصات والإساءات؟

والله إننا لنخشى أن يعُمَّنا الله بعقوباته المتعددة من زلازل وفيَضانات وفقْد للأمن وجوع وغير ذلك { وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً }.

نداءات كثيرة سمعناها، وأهوال كثيرة رأيناها، فما الذي تحرك فينا، تحركنا في تظاهرات صوتية، وبكينا على أسرة وعائلة المغتصبات.. ومن حرك منا يده فبالقلم أو بالهتافات والشعارات المنبرية، أو بالدعوة للمقاطعة عن المنتجات الأمريكية تضامنًا مع مثل هذه القضایا.

والله إن جبیننا لیندی عندما نشاهد اليوم بأنّ سجون الطغاة في مشارق الأرض ومغاربها قد امتلأت بالمسلمات الأسيرات الطاهرات اللاتي يسكبن العبرات صباح مساء، ینتظرن رجلاً یفك سراحهن من غیاهب تلك السجون المظلمة حيث صنوفُ العذاب وألوانُ النكال وأنواعُ الإذلال، ولكن ذهبت صرخاتهن أدراج الرِّياح وذابت في بحر الخَوَرِ والوَهنِ وعدمِ الاكتراث والتبلُّد الذي غَلَب على أمتنا إلا مَن رحم ربُّك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أین نحن من المعتصم والحجاج مع أننا نقرأ في التاريخ الإسلامي أن امرأةً مسلمةً وقعت أسيرةً في يد الروم فصرخت صرخةً ارتجت لها أرجاء الدولة الإسلامية المترامية آنذاك حين نادت (وامعتصماه) فما كادت صرخاتها تلامس سمع الخليفة العباسي المعتصم حتى انتفض انتفاضة الأسد المُغضَب فثارت فيه الغيرة الإسلامية والنخوة العربية، وأجابها وهو جالس على سريره: لبيك لبيك! ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النفيرَ النفيرَ، ثم ركب دابته فجيش جيشه وجمع جنده وقاد جموعَه بنفسه، وغزا أحصن بلاد الروم (عمورية) فحرَّق ودمَّر وقَتَّل وأسر، وأصبحت خاويةً على عروشها كأن لم تغنَ بالأمس، حتى رجعت تلك المرأة معززة مكرَّمةً.

فجَنى الروم على أنفسهم، إذ كانت صرخات تلك الأسيرة المسلمة سبباً في ذلهم، وخرابِ ديارهم، وحاق مكرهم عليهم ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فتُّوج فتحُ الفتوح بقصيدة أبي تمامٍ السائرة:

السيف أصدق أنباء من الكتب… في حده الحد بين الجِد واللعب بل ذكرت كتب التاريخ أن ملكَ السند أسر امرأة مسلمةً ودخل بها بلاده، فغضب عليه الحجاج بن يوسف السفَّاح فغزا السندَ وأنفق بيوت الأموال حتى استنقذ تلك المرأة وردها إلى مدينتها.

ولكن الیوم مشاهد تقشعر منها من له أدنی شعور بالواقع المؤلم المریر، فها هي المرأة المسلمة الدكتورة عافية صديقي حكمت محكمة أمريكية علیها بالسجن أكثر من ثمانين عاماً بعد أن أذاقتها في سجونها السرية أشكالاً من العذاب الجسدي والنفسي، وجرعتها مرارتها أكثر من عشر سنواتٍ، ولكن لم تحرك هذه الجریمة الفادحة فینا أي ساكن، فإنا لله وإنا إلیه راجعون.

یقول الشاعر نزار قباني:

ابحث فى دفاتر التاريخ…
عن أسامة بن منقذ…
وعقبة بن نافع…
عن عمر… عن حمزة…
عن خالد يزحف نحو الشام…
أبحث عن معتصم بالله…
حتى ينقذ النساء من وحشية السبى…
ومن ألسنة النيران !!
أبحث عن رجال أخر الزمان..
فلا أرى في الليل إلا قططا مذعورة…
تخشى على أرواحها…
من سلطة الفئران !!…
هل العمى القومي… قد أصابنا؟
أم نحن نشكو من عمى الألوان؟؟

والله یعلم بأن هناك قائمة طویلة من هذه الانتهاكات ولكن بلا أي صدی من المسلمین، فالمطلوب من المسلمین وحكوماتهم في ظل هذه الأحداث المریرة الأمور الآتیة:

قبل كل شيء السعي الدؤوب والبالغ إلى فكاك الأسیرات بفدائهن من مخالب الأعداء، والضغط على العدو بما يمكن الضغط عليهم فيه لفداء الأسیرات وفكاكهن.

استغلال الحدث بكسب الرأي العام للضغط على العدو.

رعاية ذوي الأسارى والقيام عليهم بتخصيص عطيات دورية لهم.

إشعارهن بشدة قربهم منهن كالدعاء لهن في العام.

– بذل الجهد في سبيل فكاكهن.

احترام غيبتهن والذب عنهن وعن أهليهن.

بيان واجب الناس الأوجب نحوهنّ ونحو أهاليهن وأبنائهن.

تربية الأمة على التعبئة والمواجهة وتعريفهن بطبيعة هذه المواجهة من الابتلاء والصبر والمصابرة.

النصح لهن باللين والحكمة.

أما العلماء فواجبهم كبير جدا فالله قد أتم عليهم نعمته بالعلم وأوجب عليهم البيان والصدع بالحق، وويل لمن كتم منهم وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى فقد توعدهم الله بذلك، وأما من خاف مقام ربه وبين للأمة الحق فإن الجنة هي المأوى بإذن الله تعالى، هذا واجب على علماء الشريعة مهما كان منصب العالم ومهما كانت مكانته، يجب عليه الرد على أعداء الإسلام وبيان ما یمكرون بأخواتنا العفیفات خلف قضبان السجون، وأن يكون هذا همهم، ولا يحل لهم ترك شيء من ذلك محابة لفلان أو إرضاء لفلان بل يكون هدفهم رضا الله سبحانه ورضى المسلمين لقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ: ” من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ومن التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرض عليه الناس ” فحِمْلُ العلماء ثقيل والأمانة التي حملوها عظيمة ولا ينظروا إلى حاكم ولا كبير ولا صغير ولا عامة ولا خاصة بل يصدعوا بالحق رغم كل كاره له، أما إذا تقاعسوا وتركوا ما أوجبه الله عليهم فهم خاسرون، وينبغي للعلماء أن تكون مواقفهم مع الله فلا يبالوا بأحد سواه، فالله منّ عليهم بعلم وتفضل عليهم به وجعلهم من حملته فعليهم أن يؤدوا واجبه ويقوموا بما فرض الله عليهم فيه، وقد أخذ الله ميثاق العلماء فقال : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (آل عمران:187).

وقد وصف ابن القيم ـ رحمه الله ـ حال بعض العلماء فقال: (وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين.

وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم؛ قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل)

فمن نبذ دينه خلفه فقد فرط في الدنيا والآخرة، ومن بيّن فقد باع نفسه لله تعالى فبخ بخ وقد ربح البيع والفردوس هي الموعد.

اللهم ربنا إنك آتيت اليهود والنصارى زينة وأموالاً وقوة في الحياة الدنيا..

اللهم إنهم يصدون عن سبيلك..

ويقتلون أهل دينك..

ويقيمون شريعة الطاغوت في الأرض..

ویقبضون الصالحین والصالحات بجرائم تافهة..

اللهم لا جریمة لهم إلا أنهم قالوا ربنا الله..

اللهم ربنا اطمس على أموالهم

واشدد على قلوبهم..

ولا تبق لهم قوة..

بقوتك يا ذا الجبروت والملكوت والعظمة

اللهم كن لأخواتنا الأسیرات..

اربط على قلوبهن..

وأنزل عليهن الأمن والإيمان..

وأعذهن يا الله من أن يفتنّ في دينهن..

يا أكرم الأكرمين.. اللهم آمين.